قد يكون خطر اندلاع حرب نووية تترتب عليها تداعيات كارثية على الحياة كما نعرفها، أعلى اليوم مما كان عليه خلال الحرب الباردة، وواجه العالم مذكّراً قوياً بهذا الخطر في أواخر شهر فبراير، فللمرة الأولى في التاريخ هاجمت دولة متسلحة نووياً هدفاً داخل دولة أخرى متسلحة نووياً وخاضتا كلتاهما حرباً جوية عبر خط المراقبة في كشمير.

يبقى خطر تجدد الصدام حقيقياً بسبب النزاع المستمر على الأراضي: المجموعات المجاهدة في باكستان التي تشن حرباً هجينة ضد الهند، وتنامي ترسانتَي الهند وباكستان النوويتين وتوسّع منصاتهما النووية، ودور الجيش البارز في التحكم في سياسات باكستان النووية والأمنية وسياساتها بشأن كشمير، وبروز القومية الهندوسية المقاتلة في الهند، وعملية إعادة ضبط استراتيجية في منظومة ردود الهند المعتمدة ضد الهجمات الإرهابية.

Ad

يركّز الجزء الأكبر من التحاليل الدولية على المعادلة النووية الهندية-الباكستانية بصفتها مسألة ثنائية، إلا أنها ثلاثية في أساسها وتفاعلاتها الجوهرية، فقد تملصت الصين عموماً من المساءلة بشأن دورها المريب في تعزيز طابع المنطقة النووي، ولكن من الضروري تسليط الضوء على عدم مسؤولية بكين هذا.

استخلص تقرير أعده معهد بروكينغز في عام 2017 أن الثنائيات النووية في الحرب الباردة تحوّلت إلى سلاسل نووية مترابطة، مما أنتج علاقات ردع معقدة بين القوى النووية، ومع تصور ثلاث دول متسلحة نووياً أو أكثر في آن واحد وتعرضها للخطر، فقد يكون للتبدلات في الوضع النووي لإحداها تأثير تعاقبي على عدد من الدول الأخرى.

صحيح أن الصين حوّلت جزراً إلى مواقع عسكرية وأعربت عن سلوك عدائي في بحر الصين الجنوبي، إلا أن سياستها النووية ظلت مضبوطة على نحو لافت للنظر، ورغم النمو المهول الذي شهده حجم هذا البلد الاقتصادي وتطوره التقني، تملك الصين أقل من 300 رأس نووي، مقارنةً بالولايات المتحدة مع 6500 رأس وروسيا مع 7000 آلاف رأس تقريباً.

على سبيل المثال، إذا هددت صواريخ أميركية جديدة تُطلق من البر قدرة الصين الأكيدة على الرد، فلا شك أن بكين سترد بتوسيع قوتها النووية وتحديثها، ولكن أي زيادة في القدرة النووية سيكون لها تلقائياً تأثير في الخصومة المتعددة الأطراف، وهكذا يقود تفاقم إحساس الصين بالخطر إلى تدابير مضادة من الهند مع تأثير تعاقبي إضافي في وضع القوة النووية الباكستانية.

في قرار سياسي مهم يعود إلى عام 1982، اعتبرت الصين الدولة الباكستانية عميلاً جيداً يتلقى الدراية الذرية، وأجرت باكستان أول اختبار لها على سلاح نووي صنعته لها الصين في شهر مايو عام 1990. "لهذا السبب، كان الباكستانيون سريعين في الرد على الاختبارات النووية الهندية في عام 1998، فلم يحتاجوا إلا أسبوعين وثلاثة أيام". لم يتوصل إلى هذه الخلاصة محللون أو مسؤولون استخباراتيون هنود بل مسؤولان مخضرمان في المؤسسة النووية الأميركية، وهما توماس ريد مصمم أسلحة نووية سابق في مختبر لورنس ليفرمور الوطني ووزير سلاح الجو خلال عهد الرئيسَين غيرالد فورد وجيمي كارتر، وداني ستيلمان مدير سابق للاستخبارات في مختبر لوس ألاموس الوطني، وقد قدّما هذه الادعاءات المخيفة في كتابهما The nuclear express عام 2009.

في مقابلة في شهر يناير عام 2009، حاول ريد تخمين تبرير الصين مساعدة باكستان النووية: "ميزان القوى: كانت الهند عدو الصين، شأنها في ذلك شأن باكستان"، وفي المقابل تحولت شبكة عبد القادر خان في باكستان إلى متجر نووي مفتوح للجميع صدّر مواد وتكنولوجيا حساسة إلى دول مثل إيران، وليبيا، وكوريا الشمالية.

فمنذ عام 1998، شنت باكستان حرباً شبه تقليدية ضد الهند تحت سقف شبه القارة النووي، وهكذا صار القتال والتطرف عبر الحدود اللذان ترعاهما دول متسلحة نووياً واقعاً معاصراً آخر، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الخوف من الإرهاب النووي. وهنا يأتي دور الهجوم على الموكب شبه العسكري الهندي في كشمير في 14 فبراير الذي ذهب ضحيته 40 جندياً، ونفّذ هذا الهجوم انتحاري محلي، إلا أن المجموعة الإرهابية الباكستانية "جيش محمد" أعلنت مسؤوليتها عنه، ونتبجة لذلك نفذت الهند ضربات جوية انتقامية ضد معسكر تدريب مزعوم تابع لجيش محمد في بالاكوت في العمق الباكستاني في 26 فبراير ليليها بعد يوم صراع جوي بين سلاحَي جو هذين البلدين.

جددت فرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة جهودها لتدفع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى تصنيف زعيم "جيش محمد" مسعود أظهر إرهابياً عالمياً، مما يُرغم بالتالي كل الدول على فرض عقوبات إلزامية عليه، ولكن كعقبة كبرى في نظام الأمم المتحدة، تتطلب هذه الخطوة قراراً بالإجماع، وهكذا أعاقت الصين هذا المسعى بلجوئها إلى "عقدة تقنية": حق النقض (الفيتو). تُعتبر هذه رابع مرة تجهض فيها الصين دعماً جماعياً لخطوة مماثلة، ورغم ذلك، وزع الحلفاء الغربيون المستاؤون من عناد الصين هذا مسودة قرار في مجلس الأمن يصنّف أظهر إرهابياً.

أصاب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عندما فضح ازدواجية الصين ذات الوجهين في تغريدة في 27 مارس: "لا يستطيع العالم تحمّل رياء الصين المشين تجاه المسلمين. تسيء الصين من جهة معاملة أكثر من مليون مسلم يعيشون فيها، إلا أنها تحمي في المقابل مجموعات إرهابية إسلامية عنيفة من عقوبات الأمم المتحدة"، ولا شك أن إدراج هذه المسودة في الأجندة ليناقشها مجلس الأمن ويتخذ القرار بشأنها في جلسة علنية كان سيعمّق أكثر الضرر الذي لحق بسمعة الصين بسبب تقديمها حماية دبلوماسية لإرهابيين من أصول باكستانية.

ولكن في الأول من مايو، رفعت الصين العقبة التقنية وبات أظهر اليوم عرضة لعقوبات الأمم المتحدة التي تتطلب من كل الدول تجميد أصوله، وفرض حصار أسلحة، وحظر سفر إلى الخارج عليه.

* راميش ثاكور

* «ذي ستراتيجيست»