كمن يشاهد نفسه في مرايا متعددة فتكسر الصورة مرة، تكبر مرة، تتضاءل مرات أو تتوسع، في كل الأوقات هي مجرد مرآة لا الصورة الواقعية، لكن بعضنا يتصور أن المرايا هي انعكاس لذاك الواقع الذي يريد هو أو هي أن يتخيله أو يعيشه.

المرايا لا تصدُق إلا نادراً، حتى حينها لا يمكن أن تكون انعكاساً حقيقياً لواقع مليء بالتفاصيل والتشوهات، المرايا ليست ما ننظر له يوميا فقط أكثر من أحبتنا لنطمئن أننا مقبولون من الخارج أو الآخرين، هي التي ترسل ذبابات الطمأنينة أو العكس، وهي أيضاً التي تصور للبعض كثيراً مما هو ليس حقيقة إلا في مخيلاتهم الواسعة.

Ad

والمرايا لا تعكس المظهر فقط، هي تخدع في المظهر والجوهر أيضاً، هي متنوعة، فمثلاً هي تصور لذلك الرجل أنه الأكثر وسامة في بر المحروسة وخارجها، وهي التي تقول لتلك السيدة امضِ ولا تخافي فلا بعدك جمال ولا قبلك!

هي أيضاً التي تدخل البيوت الجديدة قبل أي من المستلزمات الأساسية الأخرى، فقد يستغني الجميع عن كل الكراسي والطاولات، حتى أحيانا ذاك السرير المريح، كل هذا لأن رأي الآخر أكثر أهمية من راحتي الشخصية حتى في بيتي الذي يفترض أن يوفر مساحة من الراحة والحرية غير متوافرة في ربوع الأرض كلها حتى في أفخم الفنادق والمنتجعات.

المرايا أو ما يشبهها هي التي تأتي في كل موسم لترسم الصورة التي يريدها الواقف أمامها، فهذا موسم أعياد إذاً تتحول تلك المرأة إلى مساحة انفتاح لكل أشكال التجميل، في حين في مواسم الخشوع تبقى هي وفية لدورها، وهو أن تعكس مظاهر العبادة والخشوع المطلوبة.

هي تتلون حسب مرتاديها لأنها أكثر وفاء من البشر تجاه من تقيم معهم علاقة خاصة جداً، وكأنها انعكاس لدواخلهم، فما إن يقترب موسم الصيام عند كل الأديان والطوائف حتى تتحول عن مشاهد التبرج وتزين للنساء والرجال على وجه سواء أنفسهم في هذا الموسم، وهي تمارس لعبتها الدائمة، لعبة الخداع لإرضاء الواقف أمامها، يسألها أنا الأجمل أم أنا الأكثر عبادة والقرب من الله هنا، وأنا أتوجه إلى الجامع في شهر رمضان دون رتوش أو مظاهر للتجميل، حيث تسقط الأقنعة بعض الشيء رغم أن حتى أشهر العبادة تحولت هي الأخرى إلى موسم احتفالي يكثر فيه الطعام والشراب ومظاهر التعبد في حين يقل الإيمان؟!

المرايا تضحك أحياناً لأنها الوحيدة التي تحضر التناقضات المستمرة لدى مرتاديها بين مساء وصباح أو حتى بين يوم وآخر، هي التي استقبلت عند ساعات الصباح الأولى في اليوم الأول لشهر الصيام ذاك الساكن عندها دوماً وهو يترنح من سكر الليلة الأخيرة، بعدها بساعات يتحول هو نفسه إلى "مفتٍ" في تحريم الشرب في الشهر الحرام، وفي الليلة الأخيرة لا يستطيع الانتظار حتى صباح العيد، بل يبدأ ملء الكؤوس بكل أنواع المشروبات "الازرقة".

المرايا فقط تحملق فيه وفي كثيرين وكثيرات مثله، فماذا تقول عن تلك المتعرية حد ورقة التوت التي بين ظلمة الليل ونور صباح ترتدي عباءتها وحجابها ومعهما السبحة التي أصبحت جزءاً من ديكور رمضان كما الفانوس والزلابية كلها موسمية.

اسألوها، اسألوا مرايا بيوتكم عن حجم الانقسام الذي تعيشونه ونعيشه جميعا في مجتمعات أتقنت التعايش مع الازدواجية في كل ذلك، فالفاسق يكثر من الموعظة عن العفة وهو عارف ومدرك أن الجميع على علم ببواطن الأمور، والآخر الذي يضع حاجزاً بينه وبين آخرين ينعتهم بألفاظ لا تمتّ لدينه وتسامحه بصلة مثل الكفر والعهر والرذيلة، وهذه أصبحت وصمة سهلة يطلقها كل من لا يستلطفك، يكثر من الركوع والسجود وكأنه قد صدق كذبته وتصور أن الربّ لا يعرف ما يقوم به من أعمال منافية للدين ليس خارج الأشهر الحرام فقط، بل أيضاً خلالها. اسألوا المرايا لتحكي لكم قصصاً قد تحملكم على الكفر والعياذ بالله!!

* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية.