حقق فلاديمير زيلينسكي فوزاً ساحقاً خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الأوكرانية. صحيح أن النتائج الرسمية لم تُعلن بعد، لكنه نال وفق النتائج شبه النهائية 73.2% من الأصوات، في حين حصل الرئيس الحالي بيترو بوروشينكو على 24.5% فقط، علماً أن الإقبال على صناديق الاقتراع بلغ 62% على غرار الجولة الأولى. سبقت انتصاره هذا حملة انتخابية غير تقليدية تمحورت حول مسلسلاته التلفزيونية، ومشاركات له في مناسبات علنية ماثلت العروض الفكاهية إلى حد ما، ورسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما حدّ بالتالي من الكلفة وألغى الحاجة إلى صوغ برنامج واضح أو الإجابة عن أسئلة الصحافيين الصعبة.

ولكن من الضروري ألا نتغاضى عن عدد من الوقائع الأخرى عند تقييم نتائج الانتخابات،

Ad

فقد حقق زيلينسكي أعلى مستوى من الدعم الانتخابي حظي به رئيس أوكراني منذ عام 1991، باستثناء الانتخابات التي أُجريت مباشرة بعد ثورة الميدان والتي شهدت فوز بيترو بوروشينكو من الجولة الأولى مع أكثر من 50% من الأصوات.

تحمل هذه الانتخابات رسالتين رئيستين: أولاً، قرر الأوكرانيون في مختلف أنحاء البلد التعبير عن استيائهم من رئاسة بوروشينكو، فقد تباطأت عملية الإصلاح بعد ثورة الميدان ولم تقدّم فوائد ملموسة كافية للناخب العادي، وصار الفساد معياراً أساسياً لتقييم أداء الحكومة، وهذه المرة، أطاح الناخبون بالرئيس في صناديق الاقتراع.

ثانياً، عكس الدعم الكبير الذي ناله زيلينسكي أيضاً الانزعاج العام من إضفاء طابع أمني على السياسات المحلية الأوكرانية، طابع تجلى بوضوح من خلال شعار بوروشينكو الانتخابي «الجيش، اللغة، الإيمان». ارتكز رد فعل بوروشينكو تجاه الحرب في شرق أوكرانيا على تعريف الأمة الأوكرانية بمعناها الإثني-اللغوي الضيق، ولكن تبيّن أن قوانين اللغة، التي هدفت إلى الحد من تعليم لغات الأقليات (بما فيها الروسية) وتعزيز محتوى اللغة الأوكرانية في وسائل الإعلام والحياة العامة، غير منسجمة مع نظرة غالبية المواطنين الأوكرانيين إلى أنفسهم وإلى بلدهم.

لغة زيلينسكي (41 سنة) الأم الروسية، ومن الواضح أنه يواجه صعوبة مع الأوكرانية عندما يتحدث علانية، وفي مسلسله التلفزيوني «خادم الشعب»، لا يتحدث الأوكرانية عموماً إلا البيروقراطيون الفاسدون والفرق الفلكلورية. رغم ذلك، لم يكن لكل هذا أي تأثير في نتائج الانتخابات، وما من دليل أشد وضوحاً على أن اللغة ليست ما يقسّم المجتمع الأوكراني.

تكثر اليوم التخمينات حول مستقبل السياسات الأوكرانية، إذ يضم فريق زيلينسكي حتى الآن مصلحين اقتصاديين، إلا أنه لا يشمل خبرات واسعة في مجال السياسة الخارجية والأمنية، علماً أن هذا أحد مجالات السياسة الرئيسة التي يستطيع الرئيس من خلالها التأثير مباشرةً في نظام أوكرانيا الدستوري المختلط.

في الأشهر المقبلة، سيترتب على زيلينسكي تحديد علاقة فاعلة مع البرلمان الأوكراني، بانياً في الوقت عينه حركته أو حزبه السياسي في مرحلة الاستعداد للانتخابات البرلمانية في فصل الخريف. يُعتبر زيلينسكي حالة طارئة على عالم السياسة الأوكراني بأكثر من طريقة، فقد نجح حتى اليوم في تفادي الانشقاقات التقليدية والخطاب الرسمي العام، ولكن علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان يستطيع تحويل تأثير الحداثة هذا والدعم الشعبي الواسع الذي يتمتع به إلى سياسات فاعلة، كذلك ينبغي لبعض العواصم الأوروبية، التي كانت تأمل سراً إعادة انتخاب بوروشينكو كي تواصل العمل كالمعتاد، أن تفهم ما يكشفه انتصار زيلينسكي حقاً عن المجتمع الأوكراني.

* «غويندولين ساس»