أول العمود: مفهوم "المال العام" غير واضح في مجتمعنا، فبعضنا لا يرى مثلا الإجازة المرضية الوهمية أنها سرقة من مال الدولة يذهب إلى قوت أبنائه!

* * *

Ad

أنصف القضاء الكويتي أكثر من كاتب وروائي برفض قرارات الحظر الإدارية الصادرة عن وزارة الإعلام بمنع تداول إصداراتهم ومؤلفاتهم! تساءلت: لماذا يحدث ذلك؟ أو بالأحرى لماذا يسير الرقيب في طريق المنع بدلا من الإفساح ويُصار لاحقاً لمحاكمة تلك الإصدارات فكرياً بالنقد والتصويب في الساحات الطبيعية، ساحات الفكر والتنوير؟ ولماذا لا تكون الجهة الرقابية في وزارة الإعلام أكثر حكمة بصفتها الوزارة المعنية بنقل الصورة الإيجابية عن الكويت وشعبها للداخل والخارج؟

أسأل بطريقة أخرى: ما الضرر المُتحصل من وراء منع الكتب بقرار إداري، وإفساحها بقرار قضائي؟ أجتهد وأقول:

أولاً، إن هذه النتيجة توصل إلى المتلقي انطباعاً عن عدم اكتمال أهلية الجهة الرقابية في مجال تقييم الأعمال الأدبية وغير الأدبية، أو للتخفيف من صفة عدم الأهلية، نقول خضوعهم للخوف من وقوع (المحظور) بصوت ناعق هنا وهناك حول كتاب أو رواية!

ثانياً، تساهم قرارات المنع الإداري للكتب في التأثير السلبي على الإرث الثقافي الكويتي الذي تراكم منذ خمسينيات القرن الماضي، وتشويه صورة هذا الإرث الذي بنته إصدارات رصينة كمجلات البعثة، والعربي، وعالم المعرفة، وعالم الفكر، والمسرح العالمي وغيرها، إضافة إلى تاريخ الصحافة الكويتية والبرلمان والهامش الديمقراطي المتاح في هذا البلد.

ثالثاً، تساهم قرارات المنع الإدارية في إغلاق الطريق على قيمة أن يتحاور الناس حول عمل أدبي أو ثقافي، وتتجه الأنظار بدلاً من ذلك إلى الصراع القانوني.

رابعاً، رُبما تساهم قرارات المنع في إشهار كتب لا قيمة لها، وهذا واقع ينطبق على بعض الإصدارات.

خامساً، يؤدي التعسف الإداري في إصدار قرارات منع الكتب إلى إشغال مرفق القضاء بقضايا هو في غنى عنها، فالقرارات التي يصدرها بإفساح الكتب تأخذ وقتاً طويلاً بسبب تراكم القضايا بشكل لا يخدم المشهد الثقافي في الكويت.

سادساً وأخيراً، إن مثل هذه القرارات الإدارية لا تستقيم مع دعوات الدولة بالتحول إلى مركز مالي دولي، أو خطة التنمية المسماة "رؤية الكويت ٢٠٣٥" رغم التحفظات عليها، أو مشروع الحرير والجزر الكويتية، وذلك أن مثل هذه المشاريع الكبرى تتطلب من بين ما تتطلبه فضاء من الحرية، وأن تتواءم الأجهزة الحكومية في مخرجاتها لا أن يحارب بعضها بعضا. لماذا يحدث كل ما سبق؟ ومن المستفيد من كل هذا التخريب والهدم؟