أنطلق في كتابة قصتي القصيرة من فكرة، وأحاول دائماً أن أبدأ قصتي في أكثر لحظات الحدث اشتعالاً وتأزماً وتالياً، تكون الجملة الأخيرة هي مقولة القصة الأهم وكلمتها الفصل، وهي الكلمة التي سيحملها القارئ معه لحظة ينتهي من قراءة القصة.

وكنت منذ نشر قصتي الأولى "إن شاء الله سليمة" في جريدة الوطن الكويتية بتاريخ 17 يناير 1978، أكتب عن قضايا المجتمع الكويتي الراهن، وعن صراع الإنسان الكويتي والعربي والأجنبي لمواجهة الواقع، بغية الوصول إلى لحظة حب وأمان وخير.

Ad

وأرى أن الممكن كله سيكون في حضن القصة القصيرة في غضون العقدين المقبلين. وربما أشارك الروائي الأميركي الأشهر "فيلب روث- Philip Roth" (1933-2018) شيئاً من رأيه حين يقول: "جنس الرواية يحتضر، ولا أظنه يعمّر لخمسة وعشرين عاماً".

وليس مردّ ذلك لشيء إلا لأن العالم من أقصاه إلى أقصاه سيُصاب بتخمة الرواية، وبالتالي ستكون الفرصة مواتية لإعادة الالتفات إلى فن القصة القصيرة، خاصة أنه يبدو أكثر انسجاماً مع طبيعة عصر العولمة وثورة المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تعمل على حساب الكلمات التي تربط بين الإنسان والآخر.

لذا، فإن ممكنات القصة القصيرة على مستوى الجنس، كبيرة، فليس من حدٍّ يقف بوجه مغامرة أي كاتب مبدع لكتابة قصة قصيرة جديدة شكلاً ومضموناً، وليس من فاصل بين فن القصة القصيرة وعيش الإنسان.

لي إيمان وقناعة راسخان، بأن الإنسان يحتاج إلى الفن كي يُعينه على قسوة و"لا عدالة" الحياة، لأن قسوة الحياة ولا عدالتها لن تتوقف أو تنتهي، فإن حاجة الإنسان إلى الفن لن تنتفي أو تنتهي، ولذا سيبقى الفن يلازم حياة الإنسان، ويبقى وصله وتأثره به.

من هنا تبقى القصة القصيرة حاضرة في درب البشرية، وربما أكثر من غيرها من الأجناس الأدبية. لكونها، عبر مسيرة الإنسان، كانت جزءاً من استراحة وراحة يومه.

القصة القصيرة، وبحضور عناصرها الفنية اللازمة، قادرة على تشكيل نص إبداعي مثير ومسلٍّ يحاكي اللحظة الإنسانية في أي زمان أو مكان. وذلك لأنها كانت شريكة درب حياة الإنسان منذ عرف الحرف والكلمة، ومنذ صار الحكي متعة بشرية أكثر حضوراً على مائدة الحدث الإنساني من أي متعة أخرى.

حين أتعلق بقصتي القصيرة، فأنا أتأمل المشهد الأدبي العربي والعالمي، فيظهر لي أن نجم القصة القصيرة في صعود، وأن التفاتة كبيرة إليها على مستوى الكتابة والنشر والجوائز هي في ازدهار. وكنظرة خاصة لزملائي وأصدقائي كتّاب الوطن العربي، فإن هناك عدداً كبيراً من الشعراء والقصاصين انجذبوا لعالَم الكتابة الروائية، بعضهم حالف نجاحاً لم يُكتب له حين كان شاعراً أو قصاصاً، أو حتى محققاً لكتب التراث.

الرواية، لأن ثوبها يتسع لتجريبٍ لا يُحد، استطاعت أن تحتوي الجميع في بستانها الجميل. لكن، وهذه رؤية خاصة لعاشق من عشاق القصة القصيرة، فإنني أتوقع هجرة معاكسة خلال العقدين المقبلين من كتّاب الرواية إلى القصة، مع الفارق الكبير، الذي قد يشكّل عقبة في وجه هذه الهجرة، وهو أن جنس القصة القصيرة، وبشهادة جمع كبير من النقاد العالميين والعرب، يُعد هو الجنس الأصعب، لذا قد يبدو سهلاً أمام القاص أن يكتب رواية، لكن الأمر جد مختلف في قدرة الروائي على كتابة قصة قصيرة.

لذا فإن بيوتات استضافة المبدعين في أوروبا، وأميركا، كثيرا ما تستضيف مبدعاً لمدة نصف سنة أو سنة، فيخرج بعدها برواية أو ديوان شعر، لكن القلة، والقلة القليلة جداً، أولئك الذين يخرجون بمجموعة قصصية. فكتابة رواية بحكاية واحدة وأنهر أخرى تغذي جريانها، يختلف تماماً عن كتابة عشرين أو ثلاثين قصة قصيرة وكل قصة بحكاية تختلف عن غيرها.

أعشق القصة القصيرة، وكنت ولم أزل، وربما هذا ما دفعني إلى تأسيس جائزة لها هي "جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية"، وبما يجعلني دائماً على القرب من القصة: قراءة وكتابة ونشر وجائزة ودرب عيش آسر ومتعب.