الثقافة السائدة في المجتمع هي العنصر الأساسي في تغير المجتمعات سلباً أو إيجاباً، وطبيعة القيم الثقافية السائدة هي التي تميز المجتمعات عن بعضها، ولا ثقافة من غير مثقفين يساهمون في تنوير مجتمعاتهم، ويعملون على الارتقاء الثقافي بها، عبوراً إلى مجتمعات طبيعية لا تعاني فصاماً بين واقعها السياسي والاجتماعي (الموروث) وشعارات الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية المعلنة.

كيف يساهم المثقف الخليجي في الارتقاء بمجتمعه؟

Ad

أن تكون مثقفاً نقديا حراً ومستقلا تؤدي دوراً تنويريا كمثقفي الغرب، أمر عسير في دنيا العرب، يتطلب بطولة أخلاقية واجتماعية، فالسلطة العربية سلطة زاجرة، لا تقبل الرأي الآخر، تفرض الولاء والطاعة، وسيلتها الإرغام لا الحوار والإقناع،

وقد لا تختلف معاناة المثقف الخليجي كثيراً عن معاناة إخوانه المثقفين العرب، لكن طبيعة التحديات مختلفة، والخليج، في ظل الثروة الريعية، يعيش وضعاً استثنائياً، يعكس ظلاله على نفسية المثقف الخليجي، ففي غمرة التغيرات التحديثية المتسارعة، وعامل التدفق البشري إلى الخليج من بلاد الفاقة والفائض البشري، يجد المثقف نفسه في حيرة وقلق، تنتابه أشكال من مشاعر التوتر:

1- التوتر بين الاستجابة لإغراءات السلطة وجاذبية المنصب، ومسؤوليته الفكرية والأخلاقية في ممارسة وإشاعة الفكر النقدي والعقلاني، ودعم قيم العدالة والمساواة والحرية، كونه حامل رسالة تنويرية.

2- التوتر بين ما يعايشه في واقعه المحلي (سياسياً واجتماعياً) من مظاهر اللا عقلانية والانحراف واختلال القيم وهامشية الثقافة في مجتمعه وهوان المثقفين على أنفسهم، وطموحه لتغيير مجتمعه للأفضل، وصورته عن نفسه كونه يمتلك الرأسمال المعرفي ويمثل ضمير المجتمع وموجهه.

3- التوتر من الخوف على الهوية، بين الحفاظ على الأصالة والموروث وروابط الدم والعائلة والقبيلة، ومتطلبات التحديث والانفتاح، والتغيير الديموغرافي الذي يجتاح المجتمع (مقال عبدالعزيز الخاطر: المجتمع بين الهوية السردية والميتافيزيقية، يعبر عن الحنين إلى هوية الفريج الجامع للمكونات المجتمعية)

4- التوتر من تزايد الاعتماد على دور الأجنبي والوافد، في حين يتزايد تهميش دور المواطن.

5- التوتر من الاعتماد على مصدر دخل أحادي ناضب، وعدم تنويع مصادره. هذه الأشكال من التوترات النفسية والاجتماعية تعوق مهمة المثقف الخليجي، وتجعله في حالة تنافر مع السائد سياسياً وثقافياً واجتماعياً، وربما انتابته مشاعر الغربة أحياناً، كونه لا يجد صدى لصوته، ولا اهتماماً مجتمعياً، يعتقد المثقف أنه يمتلك المعرفة والحكمة لكنه يجد نفسه مهمشاً يسير وحيداً في طريق بلا أفق، وقد يصاب بإحباط ويأس، فيفضل العزلة والكف عن الإسهام الفكري.

من هو المثقف؟

المثقف هو مجموعة مواقف لا مجموعة معارف يحشو بها ذهنه، يفكر باستقلالية عن ضغوط السلطة وإغراءاتها، فلا يكون موظفاً للسلطة، محامياً أو بوقاً لها، كما يحتفظ باستقلاليته عن سلطان الرأي العام، فلا يتملق الغرائز الجماهيرية كسباً للشعبوية والنجومية والمريدين، هو ذلك الكائن الذي يظل على توتر خلاق تجاه السائد فكرياً واجتماعيا وثقافياً في مجتمعه، استشرافاً لوضع أفضل، يظل ناقداً لأوجه الخلل، راصداً للانحرافات، محذرا من تداعياتها، مشخصا العلل والأدواء.

أصناف المثقفين:

المثقفون الخليجيون يسعون للارتقاء بمجتمعاتهم، لكن دروبهم مختلفة، منهم الساعي إلى السلطة والتقرب منها (مثقف السلطة) ومنهم المعارض الذي لا يرى أمرا إيجابياً (المثقف الصدامي)، وهناك (المثقف الأيديولوجي) المنتمي إلى حزب سياسي (قومي، يساري، إسلامي) أما المثقف الذي يؤجر قلمه للسلطة أو الحزب أو القبيلة فهو (المثقف الأجير) وقد تجد مثقفاً مهمشاً ينتظر إشارة خضراء من السلطة (المثقف المهرول) وفِي أجواء الحصار برزت ظاهرة (المثقف المروض) الذي أمضى عمرا يعارض السلطة ويمس الخطوط الحمراء، فإذا وقع وضيق عليه، صار مروضاً، وتاريخنا مليء بنماذج عديدة من التركيع والتجويع للمثقفين المعارضين لترويضهم، وهناك (المثقف الشعبوي) الذين يتملق الغرائز الشعبية ويمالئ توجهات تعصبية قبلية ومذهبية على حساب العقلانية والمبادئ.

وأخيراً: أمر إيجابي أن نجد في الساحة الخليجية طائفة عريضة من المثقفين، يؤدون مهامهم باستقلالية ومسؤولية أخلاقية.

* كاتب قطري