تشهد ليبيا اليوم مواجهة عسكرية خطيرة بين القوات المتمركزة شرقاً التابعة للقائد الميداني خليفة حفتر والمجموعات المسلحة المتحالفة مع الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس. ما زالت ردود الفعل الدبلوماسية الدولية حتى اليوم خجولة جداً وعاجزة بالتالي عن وقف هذه الحرب المفتوحة الرامية إلى السيطرة على العاصمة. لكن أي هجوم شرس، إذا لم يُضبط، قد يتحول إلى حرب بالوكالة بين القوى الإقليمية ويسبب عدداً لا يُحصى من الوفيات، فضلاً عن دمار مهول، مطيلاً في الوقت عينه حالة الاضطراب التي تعيشها ليبيا بعد عام 2011.

لن تؤدي تصريحات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما فيها تصريحات داعمي حفتر، التي تدعو كل الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس وتجميد مواقعهم أو حتى الانسحاب واستئاف المحادثات السياسية بقيادة الأمم المتحدة، إلى نتائج فاعلة على الأرجح إلا إذا ترافقت مع تلويح جدي بعقوبات، وإذا امتنع اللاعبون الإقليميون عن تأجيج الحرب، كذلك من الضروري أن تشجّع الأمم المتحدة الأطراف على العودة إلى طاولة المفاوضات مقدّمة صيغة تفاوض ثلاثية المسارات تعالج مخاوف الأطراف المتحاربة السياسية، والعسكرية، والمالية الأساسية، وإذا كان اللاعبون الخارجيون جادين في دعواتهم إلى وقف الحرب المفتوحة، فينبغي أن يبدؤوا العمل الآن.

Ad

بدأ التصعيد عندما أطلقت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر هجوماً عسكرياً كبيراً دعته "طوفان الكرامة"، ناقلةً آلاف الرجال والمدفعية الثقيلة من قاعدتها الخلفية في شرق ليبيا إلى غرب البلد ومعلنةً أن هدفها السيطرة على العاصمة. جاء هذا الهجوم رغم التحذيرات المتكررة من شركاء ليبيا الدوليين الداعية إلى التوقف وأثناء زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الهادفة إلى دعم المؤتمر الوطني الذي ترعاه الأمم المتحدة والذي يُفترض عقده نحو منتصف شهر أبريل.

خلال الشهر الماضي، عزز حفتر قواته في وسط ليبيا وأرسل، حسبما يُقال، أسلحة إلى مراكز الجيش الوطني الليبي المتقدمة في الغرب.

ولكن رغم قوة الجيش الوطني الليبي العسكرية ودعمه الخارجي، يظل انتصاره في معركة طرابلس غير محسوم. قد ينجح هذا الجيش في السيطرة على طرابلس من دون قتال يُذكر إذا تنحت القوات المعادية جانباً أو هربت كما فعلت في الوسط والجنوب. ولكن في الوقت الراهن، كل الاحتمالات واردة بما أن الائتلافين العسكريين يبدوان متعادلين، لذلك تبقى النتيجة الأكثر احتمالاً أن يتحوّل التصعيد الحالي إلى معركة مطوّلة وربما إلى حصار طويل لطرابلس مع تفاقم الحصيلة المدنية. كذلك من الممكن أن يمتد القتال إلى أجزاء أخرى من البلد مع إعلان القوات المصراتية صراحة أنها تنوي قطع خطوط إمداد الجيش الوطني الليبي في وسط ليبيا وأنذرت من أنها قد تذهب إلى أبعد من ذلك مع شنها هجوماً مضاداً واسع النطاق.

يجب أن يتخذ شركاء ليبيا الدوليون خطوات ملحة لتفادي تحوّل التصعيد الحالي إلى معركة تدمير كبرى للعاصمة.

يعتمد ما قد يحدث في القتال من أجل طرابلس اليوم اعتماداً كبيراً على كيفية تفاعل اللاعبين الخارجيين، فقد دان عدد من القوى الخارجية، مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، وروسيا، التصعيد ودعا كل الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس، وإما تجميد العمليات العسكرية أو العودة إلى مواقعهم السابقة.

لكن كل هذه التصريحات لم تشمل أي تهديد بعقوبات ولم تذكر صراحة الحاجة إلى تأييد حكومة الوفاق الوطنية المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، ويشير هذا إلى ليبيين كثر إلى أن الحكومات الأجنبية تدعم سراً حفتر في سعيه للسيطرة على العاصمة والسلطة.

بغية تفادي حمام دم في طرابلس وتصعيد خطير يشمل قوى إقليمية، من الضروري أن يتخذ شركاء ليبيا الدوليون خطوات ملحة بغية منع التصعيد الحالي من التحول إلى معركة كبرى مدمرة من أجل السيطرة على العاصمة:

يجب أن يطالب أعضاء مجلس الأمن في الأمم المتحدة بوقف فوري للأعمال العدائية ويفرضون عقوبات على القادة السياسيين والعسكريين الذين يسعون إلى المزيد من التصعيد بدل التهدئة.

كذلك يجب أن تدعو الولايات المتحدة العواصم العربية إلى الامتناع عن تأجيج الحرب وأن تضاعف جهودها لتقنع كلا الطرفين بالقبول باتفاق تسوية طُرح سابقاً يقضي بوضع القيادة العسكرية بيد مجلس أمن وطني.

بالإضافة إلى ذلك، بغية تشجيع كلا الطرفين على القبول بوقف لإطلاق النار واستئناف المفاوضات، ينبغي للأمم المتحدة أن تفكّر في صيغة تفاوض جديدة لاستبدال صفقة حفتر-السراج الفاشلة التي عُقدت إنما لم تُنهَ بالكامل في أواخر شهر فبراير، ويلزم أن تشمل المفاوضات الجديدة ثلاثة عناصر تعكس طبيعة الأزمة الليبية الثلاثية الأوجه:

يجب اتباع مسار مالي يجمع ممثلين عن المصرف المركزي الليبي المنقسم بغية رأب الصدع في المؤسسات المالية الذي ظهر بادئة الأمر نتيجة انقسام الحكومة السياسية عام 2014 وراح يتسع منذ ذلك الحين، وقد تكون الأزمة المصرفية والضائقة المالية الناجمة عن هذا الوضع السبب الذي حفّز الحكومة في الشرق، التي تواجه صعوبة متزايدة في معالجة الدفعات، إلى دفع الجيش الوطني الليبي نحو طرابلس في هذه المرحلة بالذات.

شابت عملية الانتقال الليبية نكسات عدة، وصراعات داخلية، وتدخلات خارجية خلال السنوات الثماني الماضية، فأتاحت هذه للاعبين العنيفين من غير الدول، مثل تنظيم داعش، الفرصة للتسلسل إلى ليبيا. يعوّل مَن يدعمون اليوم هجوم الجيش الوطني الليبي العسكري على طرابس بغية إنزال الهزيمة بمن يصنّفونهم إرهابيين على الحل العسكري الذي يظنون أنه سينشر الاستقرار في البلد، لكن هذه النتيجة ليست مضمونة البتة، ويجب ألا ينسى الجميع أن القتال المميت المطوّل قد يؤدي إلى انعكاسات تعزز الفوضى والاضطراب بالنسبة إلى ليبيا، وجيرانها، وأوروبا أيضاً، وقد يتحول خطر الإرهاب المزعوم إلى حقيقة ملموسة مع ظهور مجموعات جهادية جديدة وأخرى أصولية وسط هذه الفوضى وانضمامها إلى القتال.