قبل أن أدخل في صُلب الموضوع، اسمحوا لي أن أفسر لكم هذا العنوان.

كنت أتابع بعض ما يُنشر في "يوتيوب"، ولفت انتباهي أن قاضياً لديه حصانة قانونية تخوله التنقل بسيارته بين المدن المصرية، دون أن يتعرض للتفتيش بمجرد إبراز بطاقته كقاضٍ، لكن في إحدى المرات كان في نقطة التفتيش كلبٌ مدرّب على شم مخدر الحشيش، فأخذ ينبح بشدة على سيارة القاضي، فلما تم تفتيشها تبين أنها تحمل كميّات كبيرة من هذا المخدر، وكان القاضي يموّه بشكلٍ متقن على رجال الحدود، إذ كان هناك سائق يقود سيارته الضخمة، وهو يجلس بالخلف مع سيدة، مما يدرأ عنه الشبهات، وكان مستمراً على ذلك منذ سنوات عدة.

Ad

وعلى "يوتيوب" أيضاً رأيت محاكمة قاضٍ ومستشار معار لدولة الكويت، لأنه أطلق النار من مسدسه على شاب في العشرينيات من عمره، فلفظ الشاب أنفاسه الأخيرة وهو في حضن خطيبته بالطريق العام، وهرب القاضي.

***

عدت بذاكرتي إلى عام 1955 يوم كنت أعمل في إدارة المالية، حيث أنيطت بي – كموظف في العلاقات العامة – القيام برعاية متطلبات د. عبدالرزاق السنهوري، الذي كان في حينها يقوم بكتابة الدستور.

وكنت أنتهز فرصة الاحتكاك بهذا العالِم القانوني الكبير لأستفيد منه في هذا المجال، فنصحني بقراءة كتاب "روح القوانين" لمونتسكيو، ولمّا لم أجد الكتاب في الكويت، طلب د. السنهوري من نجله القادم من القاهرة إلى الكويت أن يأتي بعدة نسخ من هذا الكتاب المترجم، وما هي إلا أيام حتى أهداني "روح القوانين" وكتابًا آخر هو "العقد الاجتماعي" للفيلسوف روسو، فعشت مع هذين الكتابين، ومن خلالهما أصبح لديّ إلمام بسيط بقانون حمورابي، والروماني شيشرون، وغير ذلك مما تيسّر من هذا العالم الواسع.

فتأكدت قناعتي أنه إلى جانب قداسة القوانين السماوية التي أنزلها الله لعباده وأهميتها، تأتي أهمية القوانين الوضعية لتنظيم حياة الإنسان والمحافظة على أمنه وحقوقه. بل إن هناك مَن لا يلتزم بالقوانين السماوية، لكنّه ملزم بتطبيق قانون البلد الذي يعيش فيه.

***

• والمطّلع على تاريخ من ترأسوا أميركا، سيجد أن نسبة كبيرة منهم من القانونيين؛ بدءاً من جون آدمز حتى أوباما.

أما فرنسا فقد أصبحت من أكثر الدول التي يحتل القانون في أكاديمياتها مرتبة متقدمة، وكذلك بقية الدول التي تنعم بالحرية والديمقراطية، وينعم الإنسان فيها بالحصول على كامل حقوقه بموجب القانون.

***

• في بداية المقال أشرت إلى نموذجين شاذين فقط من النماذج التي تستهتر بالقوانين في بلادنا العربية، لكن الأمر لا يقتصر على قاضٍ يتاجر بالمخدرات، وآخر يرتكب جريمة قتل، بل يوجد من القضاة من يقومون بجرائم أشد وأفتك من هذين النموذجين، فهناك مَن يصدر أحكاماً جائرة لمصلحة الحكومة، وهناك من يرتشي، وهناك، وهناك!

وقد سمعت قصصاً لقانونيين يشيب لها الولدان، فمثلاً هناك محامٍ لجأ إليه أُناسٌ ليتولى قضية ضد من أكل حقوقهم وأنكرها عليهم، فتعهد بالدفاع عنهم، إلا أن الطرف الآكل للحقوق والمُنكر قام برشوة المحامي لكي يُخسر القضية وفعل، وفُضح... لكنه لم يزل يعمل في القانون!

ألا أيها القانون... كم من جريمة تُرتكب باسمك!