● بدأت مشوارك الأدبي شاعراً وأصدرت أربعة دواوين، لماذا تحولت إلى الرواية وهل يؤكد ذلك مقولة تفوق زمن الرواية؟

- منذ أيام كنت أمام هذا السؤال في الدورة الثانية من أيام قرطاج الشعرية، أثناء مشاركتي في ندوة مجموعة من الشعراء الذين كتبوا الرواية: لماذا يتحول الشاعر إلى الرواية؟ أنا أرى أن الزمن هو زمن السرد، وإن كره الشعراء سماع هذا الكلام. والمسألة ليست صراعاً بين الشاعر والسارد، إنما هو نقل لواقع لا مجال لإخفائه. حين خرج الإنسان من الحرب العالمية الثانية، وبعد أن علق بندقيته في مدخل بيته المهدم، جلس يفكر في مصيره، وبدأ يسأل نفسه: لِمَ حدث كل هذا؟ وبدأ يحاول الإجابة عن هذا السؤال بطرق شتى، بالعودة إلى التفاصيل والأحداث، ولم تكن القصيدة قادرة على حمل إجاباته الكثيرة، فلجأ إلى السرد. إذن المرحلة هي مرحلة إجابات وليست مرحلة أسئلة، أنا أرى أن السؤال منبع الشعر والجواب منبع السرد. شخصياً أرى أنني خرجت من أسئلتي الكثيرة بغابة أسئلة لا حد لها، وما لجوئي إلى السرد سوى مجرد تكتيك وقتي لا غير.

Ad

● حين يكتب الشاعر عملاً روائياً بالتأكيد ثمة مزايا خافية لا يدركها إلا من يخوض هذه التجربة.. حدثنا عن ذلك في ضوء تجربتك الخاصة؟

- أرى أن الشاعر يحب اللعب بالرموز، عكس الروائي الذي يبني عالمه الأدبي من التفاصيل، لذلك فإن رواية الشاعر تكون أكثر تكثيفاً، وملغمة بالرموز، أتصور أن الشاعر الكلاسيكي إذا حاول كتابة النثر يكون مكبلاً بعبارة النثر فضاح الشعراء، لكن الشاعر الحديث لا أرى إشكالاً في تحركه في ملعب النثر، إذ إن جزءاً من أدواته يتلاءم مع النثر، ومخلوق للحفر داخله. بمعنى موجز: أنا لم أشعر بالغربة داخل النثر لأنه وطني الأول داخل قصيدة النثر.

● في روايتك "القرد الليبرالي" إلى أي مدى قصدت تعرية الواقع بكل ما فيه من متناقضات؟

- القرد الليبرالي بكل شغبه وضحكه وقفزاته على الأشجار المقدسة، يمثل صورة للسخرية من كل شيء، هو لم يعرّ الواقع، وإنما اكتفى بالإشارة إليه، فالواقع عارٍ بطبيعته. بدأت بكتابة "القرد الليبرالي" في الأشهر الأولى من الثورة التونسية، كنت أنزوي في حديقة الحيوانات داخل حديقة "البلفدير" في تونس، وأكتب قبالة قفص قرد من نوع "بونوبو" (الشمبانزي القزم)، وحين اكتملت الرواية بعد سنتين، عدت لزيارة القرد فلم أجده، قال لي أحد حراس الحديقة إن القرد مات، فعدت إلى الرواية وأجريت فيها تحويراً ذكرت فيها حدث موت القرد. بعض النقاد الذين قرؤوا الكتاب أكدوا أن هذا النص هجين وهو نتاج زواج بين السرد والشعر، وأنا أوافقهم تماماً في هذه النقطة، وربما طبيعة الواقع السوريالي هي التي طبعت هذا النص بهذه الصفة.

● ماذا تمثل السخرية بالنسبة إليك، كأداة في يد كاتب، وكيف تعمل على توظيفها في أعمالك؟

- بطبعي كائن ساخر في الحياة، وكتاباتي بعض مني إن لم تكن صوراً مبعثرة مني، لذلك فإن السخرية هي أصل وجوهر في كتاباتي وليست مجرد تكتيك فني. الكثير من الكتاب يتسترون بالسخرية لغايات فنية ورؤيوية، أما أنا فأرى الوجود في أصله شكل من أشكال السخرية.

● القارئ لأعمالك يلحظ انشغالك بالتجريب وتحطيم القوالب الكلاسيكية في تقنية الكتابة... ماذا يحقق لك هذا

التجريب وماذا يضيف للنص؟

- التجريب هو جوهر العمل الفني الذي يبحث عن التفرد والتميز، لكني أعتبر التجريب وسيلة لا غاية، عكس الكتاب التجريبيين، أبحث عن نقطة التقاء مع القارئ، وألعب على حبل المعنى، ألتقي مع الكتاب الكلاسيكيين في ممارسة سلطتهم على القارئ، وألتقي مع الكتاب التجريبيين في مرواغة القارئ وفتح مربعات للعبث داخل النص.

● هل حظيت بمتابعة جيدة من النقاد؟

- لست من الباحثين عن شهادات النقاد، وإن جاء رأي يخدم النص فمرحباً به. كتب عن تجربتي الأدبية كتاب وشعراء مهمون، مثل الأديب التونسي حسونة المصباحي والشاعر المصري محمد عيد إبراهيم والشاعر التونسي أشرف القرقني والشاعر والقاص العراقي زهير كريم والشاعر التونسي عبدالفتاح بن حمودة.. وغيرهم. كما تلاحظ أغلب من كتب عن تجربتي هم مبدعون في الشعر والسرد وليسوا نقاداً بالمعنى الأكاديمي، وهذا من حسن حظي إلى حد الآن. فبقدر حبي لقراءة المبدعين في الأدب بقدر نفوري من تشريح الأكاديميين التحنيطيين. أنتصر للناقد داخل المبدع، وأرى أنه هو حامل مصباح النص الحقيقي، أما ذاك القادم من جهة بعيدة عن النص، فهو مجرد موظف برتبة أستاذ أو دكتور يخدم لمصلحة المؤسسة الثقافية والسياسية لا غير.

جوائز عربية وإشادات غربية

حصد سفيان رجب العديد من الجوائز العربية في الشعر، أهمها: جائزة مفدي زكريا 2007 بالجزائر، وجائزة طنجة الشاعرة 2009، وجائزة محمد عفيفي مطر، عن مخطوطته الشعرية "ساعي بريد الهواء" 2018 بالقاهرة.

ونشر مقالات كثيرة في النقد ونشر قصائده في أهم الصحف العربية. وتم ذكره في أهم الملفات التي تخص الأدب التونسي، مثل الكتاب الذي نشرته جامعة أورغون الأميركية 2015، والملف الذي أعدته صحيفة كارافان السويدية 2018، والكتاب المشترك بين المعهد الوطني للترجمة واتحاد الكتاب الإيطاليين 2017.