لا يوجد خلاف بين القوى الفلسطينية كافة على رفض ما يسمى "صفقة القرن"، بالاستناد إلى ما تسرب منها وعنها، رغم عدم إعلانها رسمياً حتى الآن، ومن منطلق المعرفة القاطعة بما بدأ تنفيذه على أرض الواقع منها، كما جرى بنقل السفارة الأميركية للقدس، أو الاعتراف بضم الجولان، أو قطع المخصصات المالية عن وكالة الغوث الدولية، أو مساعي التطبيع بين إسرائيل والمحيط العربي.

وبما أن كل القوى تجمع، على رفض هذه الصفقة، فإن الاختبار الحقيقي للمواقف، وللقدرة على تحويلها إلى فعل مؤثر يتطلب صياغة استراتيجية جماعية، ومشتركة، لمواجهتها باعتبارها تمثل أخطر ما واجه القضية الفلسطينية منذ نكبة عام 1948، ولأن هدفها غير المخفي هو تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية.

Ad

وبتقديرنا فان هذه الاستراتيجية الفعالة يجب أن تشمل العناصر التالية:

أولا: إحباط فكرة "دويلة غزة" كبديل لدولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة تشمل الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة. وذلك يعني العمل على معالجة حالة الانقسام ومنع تحولها إلى انفصال تام بين الضفة والقطاع، والسعي الحثيث والجماعي لمنع تحويل فكرة "تخفيف الحصار والمساعدات الإنسانية لقطاع غزة" إلى بديل لإنهاء الحصار بالكامل والاحتلال القائم لمعظم معابر قطاع غزة وأجوائه ومياهه ومصادر طاقته، أو للترويج لترتيبات بفصل غزة عن الضفة الغربية، وتسهيل ابتلاع الضفة بالاستيطان والضم والتهويد.

ثانياً: بلورة موقف سياسي وطني مشترك ومعلن تتوافق عليه جماعياً كل القوى الفلسطينية برفض صفقة القرن "وأفكارها" وبرفض التعاطي مع الإدارة التي تتبناها، ومع كل من يتعاون معها، ولعل تحقيق ذلك يتطلب الدعوة إلى عقد لقاء وطني جامع لكل القوى دون استثناء يكرس لإصدار هذا الموقف الموحد.

ثالثاً: القيام بجهد رسمي وشعبي منظم، وفي إطار خطة منهجية مدروسة لإحباط محاولات التطبيع الإسرائيلية مع الدول العربية، ولكشف وتعرية ما يحدث منها.

رابعاً: إعداد خطة متكاملة وتنفيذها على الصعيد الدولي الرسمي والشعبي، لتقديم الرواية الفلسطينية بشأن "صفقة القرن" وشرح مخاطرها للدول والحكومات، والأحزاب، والنقابات، وحركات التضامن، والجاليات الفلسطينية في الخارج، وهذا يتطلب جهداً منسقاً بين مؤسسات منظمة التحرير، ووزارة الخارجية وسفاراتها، والقوى والأحزاب، ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، ومنظماته الحقوقية.

خامساً: التعبئة الشعبية ضد ما تمثله "صفقة القرن" من مخاطر على الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتعرية المضمون الحقيقي لما يسمى "البديل الاقتصادي" الذي جربه الاحتلال في السابق، وأفشله الشعب الفلسطيني بانتفاضته الأولى المجيدة.

سادساً: التعزيز والتوسيع الجدي للمقاومة الشعبية، وحركة المقاطعة وفرض العقوبات، باعتبارهما ركيزتي النضال الوطني في المرحلة المقبلة.

سابعاً: تركيز الطاقات لإسناد صمود المناطق المهددة، وخاصة مدينة القدس والمسجد الأقصى، والخليل، والمناطق التي تسمى (C) وخاصة الأغوار، والتجمعات البدوية، والمناطق المجاورة للمستعمرات الاستيطانية.

ثامناً: وضع خطة وتنفيذها لبناء التحالفات مع كل من يمكن أن يقف إلى جانبنا في المحيط العربي والإقليمي والدولي، فنحن بحاجة إلى كل جهد ممكن لمواجهة الهجمة الخطيرة التي ستشنها الحكومة الإسرائيلية بعد الانتخابات الإسرائيلية، وبدعم مطلق من إدارة ترامب.

ولست بحاجة هنا لإعادة شرح ما نشر في مقال سابق حول عدم وجود أي فرق بين معسكري نتنياهو وغانتس.

ولا بد من تذكر أننا نعيش في عصر تُحكَم فيه سياسات الدول بالمصالح لا المبادئ، إلا ما ندر، وبالتالي فان تحالفاتنا يجب أن تتجاوز مفاهيم العصور التي انتهت، والخلافات القديمة، والاستقطابات الإقليمية، وأن يكون منطلقها الأساس مصالح الشعب الفلسطيني ومستقبل قضيته.

وفي الخلاصة، من المفيد أن نتذكر الدرس الأول الذي يعلمونه في المعاهد العسكرية، إن أهم وسيلة للدفاع هي الهجوم، لذلك فإن علينا أن نبدأ بالهجوم على المخططات التي تستهدفنا، بدل مواصلة انتظار الهجمات التي تخطط لاجتياحنا.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية