في صبيحة العاشر من شهر مارس الماضي احتشد الآلاف من السكان في مركز موسكو للاحتجاج على تشريع جديد مقترح يدعو الى اتخاذ إجراءات ضد حرية الإنترنت، وقد لوح المحتجون بلافتات تقول «أنقذوا الإنترنت، أنقذوا روسيا» و»العزلة تعني الموت» وكذلك «لا للاستعباد الرقمي».

وفوجئ المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الذي كان يشاهد الاحتجاجات في جهاز التلفزيون لديه وأعرب عن استياء واضح مما يجري، وقال في حديث لوكالة إنترفاكس الروسية «زعم أحد المتحدثين في الاحتجاج أن الكرملين يريد أن يضغط على زر وأن يغلق شبكة الإنترنت، وهذا خطأ بكل تأكيد، ولماذا لا يقلقهم قيام أحد ما في الجانب الآخر من الأطلسي بالضغط على هذا الزر؟».

Ad

كان بيسكوف يردد الدعاية الرسمية التي تقول إن التشريع الجديد أساسي من أجل منع الولايات المتحدة من قطع خطوط الإنترنت عن روسيا، ولكن لدى المحتجين سبب وجيه للاعتقاد بأن الكرملين لا مؤامرة غربية هو من يهدد قدرتهم على استخدام شبكة الإنترنت.

وفي شهر مارس الماضي وقع بوتين قانوناً يجرم نشر «أخبار كاذبة» أو «عدم احترام السلطات» على مواقع التواصل الاجتماعي، ويهدف مشروع قانون آخر حول «السيادة الرقمية» إلى تمكين الكرملين من منع روسيا أو أنحاء معينة منها من استخدام الإنترنت على صعيد عالمي، وتهدف هذه الخطوات إلى حرمان الشعب الروسي من فرصة القيام بثورة ضد نظام الحكم.

وفي عام 1991 تملك الخوف بوتين ورفاقه من جهاز الاستخبارات الروسي «كي جي بي» نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي بصورة غير متوقعة، ولم ترغب السلطات بمزيد من المفاجآت، وقد أعلن بوتين في 1999 أن هدفه هو الاستقرار السياسي، والحفاظ على نظام الحكم في روسيا. وقد اقترح مستشارو بوتين حلاً بسيطاً لمواجهة خطر الثورة يتمثل بالسيطرة على الوسائل التي يعتقدون أن الناس سوف يستخدمونها من أجل تنظيم صفوفهم، وخلال ولاية بوتين الأولى وضعت حكومة موسكو الاتحادات النقابية وأحزاب المعارضة وأقنية التلفاز المستقلة تحت السيطرة، ولكن عندما بدأت في مطلع الـ2000 سلسلة من الاحتجاجات الشعبية تعرف باسم الثورات الملونة في العديد من الدول المجاورة لروسيا مثل جورجيا وصربيا وأوكرانيا أصبح واضحاً أن الحكومة الروسية استهدفت الجهات الخطأ. وأصبح الكرملين على قناعة في أن الثورات الملونة هي نتاج حركات شبابية بدأت من الصفر تتبع– كما اعتقدت موسكو- توجيهات سياسية من وزارة الخارجية الأميركية صممت بشكل خاص للتعامل مع دول مثل روسيا.

ومنذ ذلك الوقت انهمك الكرملين في سباق تسلح وهمي مع وزارة الخارجية الأميركية، وكل تغير سياسي غير متوقع في دولة مجاورة– وفي روسيا نفسها– كان ينظر اليه على أنه تطور تكتيكي من جانب الأميركيين. وفي سنة 2011 عندما نزل سكان موسكو الى الشوارع للاحتجاج على عودة بوتين إلى الرئاسة شهد الكرملين الدور البارز لفيسبوك وتويتر في تنظيم الحشود، واعتبر ذلك صورة أخرى بارعة من جانب واشنطن التي وجدت على ما يظهر طريقة لاستخدام الإنترنت ضد الأنظمة المطلقة. وقد طرح دور مواقع التواصل الاجتماعي في الاحتجاجات إنذاراً صارخاً: الأجهزة الأمنية يمكن بسهولة أن تفشل في منع اندلاع ثورة نظراً لعدم وجود الاحتجاجات التي يتم تنظيمها عبر فيسبوك أي قادة أو منظمات يمكن التسلل اليها من جانب عملاء الحكومة.

وطوال الأعوام الستة الماضية كان الكرملين يحاول العثور على حل لمشكلة الإنترنت، وأقرت الحكومة سلسلة من التشريعات القمعية من دون نجاح ملموس، كما أن المعلومات الحساسة مثل الوجود العسكري الروسي في أوكرانيا وسورية وكشف فساد المسؤولين الروس يظل موجوداً أون لاين.

ويأمل الكرملين في تحقيق تقدم لافت من خلال آخر تشريعين ويتعين أن يساعد قانون الأخبار الزائفة في إزالة المحتويات التي يمكن أن تثير القلاقل والاضطرابات وأن يساعد مشروع قانون السيادة الرقمية في إعطاء الحكومة السيطرة على حركة الإنترنت داخل روسيا وعبر حدودها.

وتنطوي هذه الوسيلة على جانبين: الأول هو حجب وصول المعلومات التي تعتبر في رأي السلطات ضارة وإعادة توجيه أو إيقاف حركة الإنترنت بصورة تامة. والثاني هو الاستخدام في وقت الأزمة، وقد أظهرت الحكومة في الأساس كيفية عملها في هذا الصدد، وفي فصل الخريف الماضي أبرمت انغوشيا وهي جمهورية صغيرة في شمال القوقاز اتفاقاً لإعادة ترسيم حدودها مع الشيشان ومنذ ذلك الوقت تم تنظيم مسيرات احتجاج متقطعة من سكان انغوشيا ضد عملية مبادلة الأرض.

ورداً على تلك الخطوة طلبت السلطات من جهات التشغيل المحلية وقف خدمات جوال الإنترنت لأسبوعين في أنغوشيا خلال شهر أكتوبر الماضي، وحدث الشيء ذاته في 16 مارس الماضي خلال اجتماع لنشطاء محليين في نظران وهي أكبر مدينة في أنغوشيا، وقد توقفت خدمات جوال الإنترنت في تلك المنطقة حتى انتهاء الاجتماعات.

شبح الثورة الروسية

لا يزال الكرملين يتخوف من عودة شبح الثورة الروسية، وفي شهر سبتمبر من عام 1917 طلب فلاديمير لينين من أنصاره احتلال مراكز التلغراف والهاتف على الفور ونقل مقر قيادة الثورة الى هناك، وبعد عدة أسابيع نفذ جنود الحرس الأحمر تلك الرغبة بصورة تامة.

وقد تعلم القادة الذين أعقبوا لينين الدرس بشكل جيد، وفي أواخر العشرينيات من القرن الماضي شيد مركز التلغراف المركزي الذي كان يدير نظام التلغراف الروسي مقره الجديد على مقربة من الكرملين في شارع تفيرسكايا.

وكانت السيطرة على الاتصالات أساسية بحيث تضمن وجود قوات الخدمة السرية السوفياتية على مقربة بصورة دائمة، وتتسم تقنية الاتصالات الروسية بالموثوقية بسبب ازدهار صناعة تقنية المعلومات الروسية، وقد أعطى ذلك التطور الكرملين الأمل في تحقيق الحلم السوفياتي في توجيه كل الاتصالات الروسية من موقع واحد في موسكو.

ولكن الكثير من الخبراء يعتقدون أن اتصالات الإنترنت يمكن أن تخضع لرقابة مركزية في بعض الأقاليم والخدمات مثل يوتيوب، لا كل مناطق البلاد ولا كل أنواع الحركة، وقد تلحق القوانين الجديدة الضرر بالبنية التحتية الروسية وتفضي الى بطء سرعة الإنترنت على الرغم من صعوبة تقييم مثل ذلك الضرر، ولكن الضرر بالنسبة الى السمعة الدولية لشركات الإنترنت الروسية قد حدث. وروسيا هي واحدة من قلة من الدول التي تتمتع فيها ماركات الإنترنت المحلية بسمعة أقوى من الماركات الخارجية على الرغم من أنها لم تحصل على أي دعم حكومي.

● أندريه سولداتوف