ونحن نتأمل واقعنا وما تعانيه شعوبنا العربية خاصة من بين شعوب العالم يجعلنا نقف صامتين، يملأ قلوبنا الحزن والأسى على ما آلت إليه طموحات هذا الشعب التي كانت تملأ الآفاق في فترة زمنية ليست بعيدة!!

خـفـتَ صوت المجموعة وعلا صوت «الأنا» في الوقت الذي نحتاج أن نكون «كلنا» قبل أن يكون «الأنا» لنقف صفا واحدا أمام التحديات الكبيرة، بما لدينا من قدرات مادية وبشرية وأرض واسعة منّ الله عليها بالخير وحصـنها بأنها مباركة في كل جزء منها.

Ad

القـُدرات العظيمة دَبَّ فيها اليأس وبدأت الرحيل إلى بلاد الله الواسعة تبحث عن مأوى وفرصة تنطلق فيها إبداعاتها، فمنهم من وصل ومنهم مازال يحبو دون كلل، ومنهم من ضاع في الطريق وابتلعته أمواج بحر لا يرحم، أو بين أنياب ذئاب بشرية تأكل اللحم غضا طريا على مرأى ومسمع العالم.

لن نطيل الوصف، فالصورة ليست خافية على كل ذي لــُبٍّ، لكننا سنقول إننا في حاجة إلى إعادة «برمجة» على كل المستويات، الفكرية والعقائدية والاجتماعية وفي حاجة لترتيب البيت بالاهتمام بمبدعيه ومفكريه وعقوله التي نراها ونسمع عن إبداعاتها العلمية واختراعاتها حين تتوافر لها الفرصة في أرض بعيدة ترعاها وتجني من ثمار عطائها، في حين نحن في مكاننا ننتظرها ونستهلكها أو نحرفها عن مسارها الصحيح يتم استغلاها أحيانا في أسوأ حالة.

المواطن العربي- دون تـجـن- يعيش زمنا لا يُحسد عليه، وهو مُهدد بحروب وفقدان لقمة العيش وضياع الفرص الثمينة التي تحتاج إلى من يرعاها لتعيد بناء الأرض والإنسان، في حين لديه كل مقومات العطاء والإبداع يعبث بها البعض وينحرف بها عن مسارها الصحيح والسليم.

ماذا نقدم للعالم، ونحن نتشدق بأننا كنا، وأعطينا، وأسسنا في زمن ماض، وأبدعنا في كل مجالات الحياة؟

رغم أنني لا أحبذ هذه النغمة التي تتمجد بماض لم نضف إليه شيئا، لكنني أجد نفسي مرغما على التذكير به لعلني أمنح كلماتي قوة دفع تثير الهمم، ولربما كانت كلماتي تخفف عن كاهلي بعضا مما أحمله من غـِيرة على ماضينا، كما هي على مستقبلنا بين الأمم التي تمن علينا بكل شيء حتى ملابسنا الداخلية دون حياء منا، بل نتباهى بأنواعها ومصدرها ولا نخجل بأننا غير قادرين على صنعها.

يقول الزعيم مصطفى كامل: «إن الأمة التي لا تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع أمة محكوم عليها بالتبعية والفناء، وإن من يتهاون في حق من حقوق دينه وأمته ولو مرة واحدة، يعش أبد الدهر مزلزل العقيدة سقيم الوجدان»!

هل كان حالنا منذ زمان مصطفى كامل مشابها لحالنا اليوم ليقول هذه الكلمات التي أوجز وصور فيها حال الأمة؟ وهل نحن أمة ترث الاتكالية جيلا عن جيل؟ لا أظن.

أم كان يثير اهتمام الأمة لتتخلص من الاتكالية والتبعية ولتنظر بجد وإخلاص في حالها وتعيد «برمجته» بما يتوافق مع بدايات العصر الحديث الذي كانت فيه طفرة الاختراعات والاكتشافات مثار اهتمام العالم كي يصل إلى ما وصل إليه اليوم في حين بقينا في الصفوف الخلفية نختلف ولا نتفق، وفقدنا الإحساس بالإيثار؟

هل سنبقى نجتر ماضينا ونبعثر قدراتنا ونستهلكها أولا بأول لا ندخر منها للزمن ما يحفظ لنا مكانا بين الأمم؟!

بكل الأمل أتصور أننا سنصحو من غفوتنا ونصرخ بأننا قادرون على تجاوز المحن!

* كاتب فلسطيني - كندا