من التساؤلات المعقولة حول تطوير الجزر ومنطقة الشمال (رؤية 2035 – طريق الحرير) تلك التي أثارها الزميل محمد البغلي قبل أيام في "الجريدة"، إذ يقول إن هناك تحديات إدارية وإقليمية للمشروع، منها كيف يمكن خلق 400 ألف وظيفة في سوق العمل، ومن أين أتى أصحاب المشروع بهذا الرقم، ويسأل محمد عن وضع دول الجوار، الذي سيكون المشروع نافذة تجارية لهم، مثل إيران التي تقبع تحت العقوبات الأميركية، أما العراق فهو غارق في الفساد "والدين السيادي فيه تجاوز ثلثي الناتج القومي"... والميليشيات هناك تختلط بمؤسسات الدولة الرسمية، ويصعب وضع الفاصل بينهما، كذلك يتحفظ العراق أساساً على إنشاء ميناء مبارك الكبير، ويسعى إلى مد قناة بحرية من الفاو للخليج.

ويضيف الزميل في نقده أن هناك من يعتقد "... أن نجاح أي مشروع اقتصادي يرتبط ارتباطاً شرطياً بترخيص الخمور أو إطلاق حريات غير مرغوب فيها اجتماعياً ودينياً مع مزجها بفردية القرار بعيداً عن قوانين الدولة..."، ويتابع "إن العديد من دول العالم الناجحة اقتصادياً، خصوصاً من وسط آسيا إلى أقصى شرقها تولي ثقافتها ودينها أهمية قصوى في التعاطي مع أي ملف اقتصادي...".

Ad

هي تساؤلات معقولة من الزميل، وإن كان محمد لم يوضح لنا من تكون هذه الدول التي تقدم عاداتها وتقاليدها على أولوية القضايا الاقتصادية في آسيا، فتمنع الخمور مثلاً، وتظل منفتحة سياحياً واستثمارياً في آن واحد، يا ليت الزميل يعطينا دولة واحدة من تلك الدول التي توفر "شربت بيذان، أو عصير فيمتو أو قهوة دله" في فنادقها بدلاً من الخمور لرجال الأعمال أو السياح الذين يزورونها لفترات محددة... ما شأننا إن شرب السائح أو المستثمر خمراً أو "ملة حلول" طالما أنه سيشارك في الاستثمار المالي بالدولة.

الأمر الآخر، أن المقارنة مع أوضاع دبي مختلفة تماماً اليوم لاختلاف الإدارتين الماليتين، ومع ذلك لا تنس أيها الزميل أن إمارة دبي هي الأقل اعتماداً على النفط، والسياحة والاستثمار هما مصدران كبيران للدخل الوطني.

أما من ناحية استقلالية المشروع الجزئية عن قوانين الدولة، والذي تصور أنه يجسد وضع دولة داخل دولة، فهذا غير صحيح، إذ لن يكون هناك استثناء من "سيادة الدولة" على أراضيها، وإنما يمكن أن نتصور منظومة قوانين تختلف عن قوانين الدولة، وتستثنى منها إدارياً وتنظيمياً أو بسيادة محدودة شكلياً، مثلاً إمارة موناكو في فرنسا لا سيادة خارجية كاملة عن الدولة الفرنسية، لكن لها منظومتها القانونية الخاصة، أيضاً هونغ كونغ في الصين، ويمكن تصور أمثلة أخرى ليست بالضرورة أن تكون مطابقة لمشروع الجزر وإنما يمكن القياس عليها.

يبقى هناك الكثير من التساؤلات عن مستقبل وجدية مشروع الحرير، وهناك كما يبدو ضعف في الجهاز الإعلامي للقائمين عليه – إن كان يوجد مثل ذلك الجهاز أساساً - إذ إنه لا يمكن أن يرد ويوضح الكثير من الأمور الغامضة في المشروع، كي ننتهي أخيراً بمقولة "تريدون العنب أم قتل الناطور"... فلنبحث عن حلول لأزمات اقتصادية وبطالة مرعبة قادمة لا محالة، سواء كانت الحلول في تصور مشروع تطوير الشمال أو أي مشروع آخر ممكن ومنقذ لمستقبل الدولة، بدلاً من تصفية حسابات سياسية بين الكبار.