يتأثر المشهد الاقتصادي بالعديد من المتغيرات المتلاحقة، والتي تؤثر بشكل واضح على معدلات وآفاق النمو المستقبلية للاقتصادات الكبرى والناشئة على السواء، وهو ما ينعكس بالضرورة على اقتصادات المنطقة، ومنها الاقتصاد الكويتي، وهو ما تناولته ندوة «الآفاق المستقبلية للأسواق العالمية وأهم أسواق المنطقة لعام 2019»، التي أقامها بنك الكويت الوطني للإعلاميين، والتي حاضر فيها كبير الاقتصاديين لمجموعة بنك الكويت الوطني د. سعادة شامي.وأكد شامي أن هناك تباطؤا عالميا شمل العديد من الاقتصادات الكبرى، مشيراً إلى أنه من المرجح أن يقوم صندوق النقد الدولي بتخفيض تقديرات النمو مرة أخرى، والبالغة 3.5 في المئة في عام 2019.وأوضح أن نمو الاقتصاد الأميركي تراجع مع تلاشي أثر خفض الضرائب وتداعيات الحرب التجارية، حيث أظهرت البيانات الأخيرة للوظائف وقطاع العقارات مؤشرات غير مشجعة، مما قد يؤدي إلى انخفاض النمو إلى أقل من 2. في المئة في عام 2019. وحول منطقة اليورو، أكد شامي، أن قطاع التصدير يعاني ضعفا، في حين تسبب النقاش الدائر حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حالة من عدم اليقين، وهو الأمر الذي دفع البنك المركزي الأوروبي إلى مراجعة توقعات النمو إلى 1.1 في المئة هذا العام من 1.7 في المئة في وقت سابق.وأشار إلى أن الحكومة الصينية خفضت توقعات النمو المستهدف لهذا العام إلى (6- 6.5 في المئة)، وسط تزايد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، وهي تعتبر منخفضة مقارنة بمعدلات النمو التي سجلتها الصين سابقا.
آفاق نمو «مجلس التعاون»
وأضاف كبير الاقتصاديين لمجموعة بنك الكويت الوطني، انه بجانب عامل الترابط بين بعض قطاعات أسواق المال، فإن الظروف الاقتصادية العالمية تؤثر على المنطقة بشكل رئيسي عبر قناتين رئيسيتين: أسعار الفائدة، وسعر النفط، ومن المتوقع أن يبقيا مستقرين في المدى القصير. لفت إلى أن التوقعات تشير إلى بلوغ معدلات النمو في دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 2 في المئة في عام 2019، ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى استمرار وتيرة الإنفاق العام، في الوقت الذي قد يصل فيه نمو القطاع غير النفطي إلى (2.5- 3 في المئة) في أفضل الأحوال، بينما ترجح التوقعات أن القطاع النفطي لن يشهد أي نمو يذكر تحت وطأة خفض الانتاج، موضحا أن الحساب الجاري الخارجي لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة سيبقى في حالة فائض، نظراً للمستويات المعتدلة لأسعار النفط حالياً. وأكد شامي أن أغلب دول الخليج تتبع سياسات مالية يمكن وصفها بالأكثر استرخاءً في الوقت الحالي، مما سيؤدي الى ارتفاع في عجز ميزانيتها، وبالتالي سيزداد الدين العام لتمويل هذه العجوزات، بالتزامن مع بقاء أسعار النفط عند مستوياتها المعتدلة، بالإضافة إلى استحقاق آجال جزء كبير من إصدارات الدين هذا العام.وتابع أنه بحسب تقديرات أولية، قد تصل إصدارات سندات الدين لدول مجلس التعاون الخليجي إلى ما بين 50 و60 مليار دولار هذا العام، مشيراً إلى أن ذلك قد يعتمد على أسعار النفط. وأوضح أنه من المتوقع أن تكون السعودية أكبر المقترضين في عام 2019 بحوالي 30 مليار دولار، إلا ان بيع قسم كبير من شركة «سابك» لـ «أرامكو» بنحو 70 مليار دولار قد يحفف من الحاجة إلى الاقتراض. وذكر أنه من الممكن أن تلجأ سلطنة عمان والبحرين إلى سوق الصكوك والسندات لسد عجز الميزانية، غير أن احتياجات البحرين التمويلية قد تكون أقل من السابق بسبب الدعم المالي الذي تلقته من دول مجلس التعاون الخليجي والتدابير المالية التي اتخذتها مؤخراً، بينما ستواجه عُمان تكلفة اقتراض أعلى بعد تخفيض تصنيفها الائتماني.وبشكل عام، أكد أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تظل عند مستويات معتدلة في معظم دول مجلس التعاون الخليجي.النمو غير النفطي
وقال شامي، إن نمو الاقتصاد الكويتي يعد بمنأى إلى حد ما عن التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى أن توقعات نمو القطاع غير النفطي ستكون ما بين (2.5 و2.8 في المئة) في 2019- 2020، بفضل السياسات المالية والنقدية التوسعية. وتوقع أن يبقى معدل نمو القطاع النفطي هامشياً بالتزامن مع التزام الكويت بقرار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بخفض الإنتاج ليصل متوسط إنتاج البلاد عند مستويات 2.7 مليون برميل يومياً، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن يتراوح معدل نمو الاقتصاد الكويتي ككل بين 1.5 و2 في المئة في عام 2019-2020. وقال شامي، إن قطاع الاستهلاك الشخصي يسجل أداءً جيداً بدعم من انخفاض مستويات التضخم وارتفاع مستويات التوظيف، بالإضافة إلى انخفاض معدلات الفائدة، وإقرار البنك المركزي الكويتي لخطوات تحفيزية لعمليات الإقراض الاستهلاكي عبر رفع سقف الاقتراض، حيث إن الائتمان سجل نمواً جيداً بلغ 5 في المئة على أساس سنوي في يناير الماضي، إلى جانب تعافي القطاع العقاري، بعد انخفاضه في عام 2015-2016 تزامناً مع أزمة انخفاض أسعار النفط، لترتفع المبيعات العقارية بنحو كبير بلغ 56 في المئة في العام الماضي، وذلك بدعم من القطاع السكني.وشدد على دور السياسة النقدية في دعم النشاط الاقتصادي، وذلك من خلال قيام بنك الكويت المركزي برفع ﺳﻌﺮ اﻟﻔﺎئدة اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﺑوتيرة أقل من تلك المتبعة من بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي وبعض دول ﻣجلس اﻟﺘﻌﺎون اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ، مع الأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على قوة وجاذبية الدينار الكويتي. وأوضح أن البنك المركزي حافظ على سعر الفائدة منخفضاً نسبياً، من أجل تعزيز نمو الائتمان ومساعدة القطاع غير النفطي من خلال دعم الاستهلاك والاستثمار. وبهذا، فان «المركزي» نجح في التخفيف من انعكاس التشدد في السياسة النقدية الأميركية على أسعار الفائدة المحلية، وعلى نشاط القطاع الخاص بشكل عام، مستفيداً من نظام سعر الصرف الذي يربط الدينار بسلة من العملات بدلاً من أن يكون مربوطاً بالدولار الأميركي فقط.وبين أن عجز ميزانية عام 2018 - 2019 تقلص بفضل ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي يمنح هامشاً لزيادة الانفاق في العام المالي الحالي بعد انخفاض معدل الانفاق الرأسمالي في السابق. وأضاف أن مسودة موازنة العام المالي الجديد أظهرت زيادة قوية في معدلات الإنفاق بلغت 5 في المئة مع الإبقاء على وتيرة جيده للانفاق الرأسمالي، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن يصل عجز الميزانية هذا العام إلى 5 في المئة من الناتج المحلى قبل التحويل إلى صندوق احتياطي الأجيال القادمة، في حين سيبلغ مستويات 8-9 في المئة من الناتج المحلى بعد التحويل غير آخذين بعين الاعتبار عائدات المدخرات الماليه. وتوقع تعافي وتيرة الإنفاق على المشروعات في ظل بقاء العديد منها في قطاعات الإسكان والنفط والبتروكيماويات بانتظار الترسيات.قانون الدين
وأكد شامي أن مستويات الدين تبقى منخفضة للغاية، مشيراً إلى أن إصدارات الدين ستبقى متوقفة إلى حين إقرار قانون الدين العام من مجلس الأمة، موضحاً أنه حتى في حال إقرار قانون الدين العام فلن تكون هناك إصدارات من الحجم الكبير خلال هذا العام. ولفت إلى أن أبرز التحديات التي تحيط بالاقتصاد الكويتي قد تأتي من انخفاض الانفاق الرأسمالي، وتراجع في أسعار النفط، وكذلك ضعف الاستثمار الاجنبي المباشر ونظرة المستثمر إلى منهخ قطاع الأعمال، مشيراً إلى أن هناك احتمال انخفاض الاحتياطي العام من أجل تمويل عجز الميزانية على المدى المتوسط في غياب السياسات الاصلاحية التي تساهم في توفير مداخيل إضافية للموازنة العامة وخفض النفقات غير المجدية.وختاماً، ذكر كبير الاقتصاديين لمجموعة «الوطني»، أن الكويت تتمتع بواحدة من أعلى التصنيفات الائتمانية عند AA، مشيراً إلى أن ارتفاع التصنيف الائتماني يعكس الكم الهائل من احتياطيات المواد الهيدروكربونية والمصدات المالية الوفيرة في صندوق الأجيال القادمة الذي يعد من أول وفي طليعة صناديق الثروة السيادية في العالم، في دلالة واضحة على بعد النظر والرؤية الثاقبة التي يتميز بها قادة الكويت ان كان من خلال إنشاء هذا الصندوق أو عدم المس بهذه المدخرات والتزامهم بتحويل نسبة محددة من الإيرادات الحكومية بشكل منتظم حتى في أصعب الظروف.