في 23 يناير الماضي أدى خوان غوايدو في الجمعية الوطنية الفنزويلية اليمين الدستورية رئيساً مؤقتاً للبلاد، وخلال الساعات والأيام التي تلت ذلك اعترفت الولايات المتحدة وأكثر من خمسين دولة بخوان غوايدو– 35 سنة– معلنة عدم شرعية نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وبدا في ذلك الوقت أن حكومة مادورو قد تنهار خلال أيام، لكن ذلك لم يحدث، والآن وبعد نحو ثلاثة أشهر أصبحت فنزويلا دولة فاشلة بقدر يفوق ما كانت عليه من قبل، وهذه الدولة التي دمرتها الأزمات الاقتصادية والإنسانية وجشع الحكومة والجيش علقت في مواجهة بين رجلين يزعم كل واحد منهما أنه الرئيس الشرعي للبلاد.

وتقع مسؤولية المأساة في فنزويلا بالتحديد على نيكولاس مادورو وسلفه الرئيس السابق هيوغو تشافيز، ولكن محاولات الولايات المتحدة الرامية الى فرض تغيير في نظام الحكم تجازف بجعل الأمور أكثر سوءاً، وقد حاولت إدارة ترامب التحدث بقسوة مع مادورو بقصد الضغط عليه، ولجأت الى التهديد والعقوبات بما في ذلك الحظر النفطي ومنع قافلة تحمل مساعدات إنسانية من عبور الحدود الكولومبية– الفنزويلية. لكن هذه الأساليب فشلت في إحداث انهيار في نظام مادورو أو فرار بارز من الجيش إلى المعارضة. ولم يسهم حتى الانقطاع الشامل للكهرباء في تقويض نظام مادورو.

Ad

وتعمل استراتيجية واشنطن– المبنية على دعم غوايدو ضد فساد مادورو– بشكل جيد وخاصة في فلوريدا، حيث توجد جالية كبيرة من الكوبيين والأميركيين من أصل فنزويلي، ولكن اعتقاد ادارة ترامب في أن في وسعها توجيه ضغوط كافية على شرائح داخل الحكومة الفنزويلية- وخصوصا القوات المسلحة– لتحقيق انتقال ديمقراطي سريع يشوبه خلل وإذا أرادت الولايات المتحدة تحقيق تقدم يتعين عليها العمل مع شركاء دوليين من أجل إيجاد طريق أكثر اعتدالاً للمضي إلى الأمام.

الأولوية للعمل المشترك

على الرغم من أن حملة الضغط الأميركية فشلت في إطاحة مادورو فإن ثمة مسار معتدل الى الأمام، وفي االسابع من شهر فبراير الماضي دعت 11 دولة من 13 دولة عضو في مجموعة الاتصال الدولية التي تضم دولاً من أوروبا وأميركا اللاتينية دعت الى حوار بين نظام مادورو والمعارضة من أجل التحضير لـ»انتخابات حرة وشفافة وموثوقة» جديدة، ولكن هذا الاقتراح قوبل بسخرية من قبل عناصر في المعارضة ومن المبعوث الأميركي الخاص إلى فنزويلا إيليوت آدامز الذي دعا المجتمع الدولي الى «التشكيك في غاية وحصيلة» هذا الحوار مع مادورو، وكانت الجهود الماضية للوساطة سمحت لمادورو فقط بتعزيز قوته وتقسيم المعارضة.

وعلى الرغم من ذلك يتعين على الولايات المتحدة ألا تستجيب لحالات الفشل السابقة من خلال رفض الحوار، ويتعين على واشنطن بدلاً من ذلك العمل مع شركائها في أوروبا وأميركا اللاتينية من أجل دعم أي جولة جديدة من المفاوضات مع التهديد بفرض عقوبات إذا فشل مادورو في تلبية شروط مسبقة معينة لنجاح المحادثات مثل إطلاق سراح السجناء السياسيين والتقيد بجدول زمني والتنحي لمصلحة حكومة مؤقتة بمجرد تحديد موعد للانتخابات.

من جهة أخرى يتعين أيضاً أن تشمل الإصلاحات الضرورية إعادة بناء القوات المسلحة على أساس أقل حزبية وتجريد سلاح مجموعتين شبه عسكريتين من أنصار مادورو، وهما قوات العمل الخاصة ومجموعات مدنية مسلحة تعرف باسم «كولكتيفو». وتقضي اتفاقية مؤقتة بإعادة تشكيل المحكمة العليا الفنزويلية والمجلس الانتخابي الوطني ويشغلهما في الوقت الراهن أنصار مادورو وتعيين مرشحين مستقلين فيهما.

وحتى الآن توجد مجموعة تضم أكثر من 50 دولة فقط تؤيد غوايدو وقد شددت كندا وبنما ومجموعة قليلة من الدول الأوروبية قيودها الدبلوماسية والاقتصادية على مادورو بغية إرغامه على المشاركة في عملية تفضي في نهاية المطاف الى انتخابات حرة ونزيهة.

ويتعين على إدارة ترامب إعادة النظر أيضاً في استراتيجيتها إزاء أميركا اللاتينية بصورة عامة، وبالنسبة الى الكثيرين هناك يعتبر استحضار سياسة مبدأ مونرو من قبل جون بولتون تذكيراً بشعاً بسياسة التدخل الأميركية. وفي عالم مثالي سوف تنتقل بشكل طوعي دول مثل كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا الى الديمقراطية، ولكن على الرغم من ذلك فإن التركيز على تغيير النظام في تلك الدول مع استثناء قضايا أخرى مثل المناخ والتجارة ومشاكل جناح اليمين في هندوراس وغواتيمالا فإن الولايات المتحدة تغامر بفقدان حلفاء في ذلك الجزء من العالم.

وسوف يتمثل الأسلوب الأكثر إنتاجية في التركيز على الاحتياجات الاقتصادية والسياسية لأكثر من 93 في المئة من أميركا اللاتينية وهي دول ليست ضمن ترويكا الطغيان، ويجب أن تتمثل الخطوة الأولى في تعيين العدد الكافي من الموظفين في السفارات الأميركية هناك، حيث لا يوجد سفير أميركي في بيلايز والبرازيل وتشيلي وهندوراس وبنما، وقد رشحت الإدارة في الأسبوع الماضي فقط سفيراً الى المكسيك.

ومن هناك يجب أن تعمل الولايات المتحدة على تحسين علاقاتها الاقتصادية مع أميركا اللاتينية، وباستثناء المكسيك تمكنت دول المنطقة من النجاة من عواقب تشكيك ترامب في التجارة كما أن لدى الولايات المتحدة اتفاقيات تجارية مع كل دول أميركا الوسطى ومع تشيلي وكولومبيا وجمهورية الدوييكان وبنما والبيرو. وعلى الرغم من ذلك ومن خلال التخلي عن الشراكة عبر المحيط الهادئ خسر ترامب فرصة تحسين تلك الاتفاقيات وفعاليتها، ويتعين على الولايات المتحدة الآن جعل عملية تنسيق الجهود أولوية، ودول مثل الأرجنتين والبرازيل التي رفضت بشكل تقليدي العروض الأميركية قد تكون أكثر تقبلاً للتعاون الآن مع واشنطن إذا طورت أسواقها مع شركائها التجاريين الحاليين كما أن مثل هذه الخطوة، ستساعد على تحجيم نفوذ الصين المتصاعد في أميركا اللاتينية.

وستتطلب استراتيجية أميركية لاتينية فعالة من ترامب أن يظهر للناس في المنطقة أن إدارته تحترم وتتشاطر همومهم الرئيسة والتي تجاهل بعضها صراحة الرئيس الأميركي، ولننظر الى تغير المناخ على سبيل المثال، وبحسب مشروع الرأي العام الأميركي من جامعة فاندربيلت لعام 2017– 2018 فإن 75 في المئة من سكان أميركا اللاتينية يتملكهم القلق من تغير المناخ، وهو ما يشير الى ترحيب بالقيام بمبادرات مشتركة في هذا الحقل، وفي العام المقبل ستقوم كوستاريكا وتشيلي بدور ريادي في الجولة التالية من محادثات الأمم المتحدة حول تغير المناخ ويتعين على ادارة ترامب الالتزام بدعم هذه الجهود.

من جهة أخرى تهتم حكومات أميركا اللاتينية بالطريقة التي يجري من خلالها الحديث عن رعاياها ومعاملتهم في الولايات المتحدة، وتحب إدارة ترامب الإشادة بالحكومات الديمقراطية في نصف الكرة الغربي لكنها تعمل على تنفير هذه الحكومات نفسها من خلال الحديث عن المهاجرين من المكسيك وأميركا الوسطى الى الولايات المتحدة.

وأخيراً، يتطلب التغير السياسي مشاركة من جانب نظام مثل نظام مادورو، وتشير تعليقات جون بولتون حول ترويكا الطغيان الى أن الولايات المتحدة قد تفعل في كوبا ونيكاراغوا ما فعلته في فنزويلا، عزل حكومة بأمل إثارة ثورة شعبية، والمشكلة الملحة في هذه الاستراتيجية هي أن العناصر الأوتوقراطية في تلك الدول تستطيع الآن الاعتماد على دعم من الصين وروسيا ودول أخرى، ثم إن الصين– على سبيل المثال– قد أقرضت 50 مليار دولار للحكومة الفنزويلية وفيما لا يكفي هذا المبلغ لدعم اقتصاد كامل فهو يساعد حكومة فاسدة على البقاء في السلطة.

● كريستوفر ساباتيني