تتحول الصين إلى محرك الدمى الخفي في السياسات الأوروبية، فمع معاودة الخصومات القديمة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الظهور بسبب شتى المسائل من الاقتصاد إلى الهجرة، تُجنَّد الصين للانضمام إلى هذا الصراع.

وهذا دور تتعلم بكين سريعاً أن تعزّه.

Ad

تبين خصوصاً أن مبادرتها "الحزام والطريق"، وهي مشروع اقتصادي في قارات عدة، تتحول إلى سلاح قوي تستخدمه العواصم الأوروبية لتولّد الاستثمارات الصينية ولتؤكد غالباً استقلالها الوطني عن الاتحاد الأوروبي وعن دوله المهيمنة ولا سيما ألمانيا.

انضمت إيطاليا أخيراً إلى نحو 12 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي صدقت على اتفاقات ترتبط بمبادرة الحزام والطريق مع توقيع نائب رئيس الوزراء لويجي دي مايو مذكرة تفاهم في الثالث والعشرين من مارس مع نائب رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الصينية هي لافينغ خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الرفيعة المستوى.

لا يُعتبر الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق مجرد مسألة رمزية، ولا شك أن المذكرات الموقعة لا تحمل قيمة قانونية، شأنها في ذلك شأن كل الاتفاقات الجيوسياسية، إلا أنها تحمل قيمة سياسية. تشير إلى رغبة في التعامل مع الصين ضمن إطار خططها لنظام اقتصادي عالمي جديد.

لكن الحكوم الإيطالية قررت المضي قدماً في مناورتها الصينية، فمن اليوم فصاعداً، ستعمل إيطاليا والصين معاً في بعض مجالات المصالح المشتركة.

يظهر جلياً ما قد تكسبه الصين، فإيطاليا أول اقتصاد كبير وأول عضو في مجموعة الأمم السبع ينضم إلى المبادرة، لذلك يشكّل هذا إنجازاً كبيراً للصين لأنه يروّج لفكرة أن من المستحيل وقف مبادرة الحزام والطريق.

يبدو الاتحاد الأوروبي اليوم أكثر انقساماً من أي وقت مضى بشأن الصين، إذ يعرب بعض الدول، مثل اليونان وهنغاريا، عن حماسته حيال التعاون، في حين يتبنى البعض الآخر موقفاً مبهماً، أما فرنسا وألمانيا، فتزدادان عدائية على ما يبدو تجاه الصين لأنهما تعتبرانها خطراً اقتصادياً متنامياً. نتيجة لذلك، يُعتبر الطموح الكبير، الذي تسعى إليه استراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة تجاه الصين، والذي يرمي إلى إعادة تحديد الصين كخصم ومنافس، أقل احتمالاً.

على نحو مماثل، تظهر مكاسب إيطاليا من تحديها الوضع الأوروبي القائم بشأن الصين واضحةً، فتشكّل صادراتها إلى الصين نحو 3% من إجمالي الصادرات الإيطالية مقارنة بـ7% في حالة ألمانيا، وتستطيع روما أن تحاجج مشيرةً إلى أن ألمانيا بنت علاقة مميزة مع الصين ترغب في الحفاظ عليها باعتبارها نمو العلاقات الاقتصادية بين دول أخرى في الاتحاد الأوروبي والصين أمراً غير مقبول.

تكمن المشكلة في أن الاتحاد الأوروبي لا يملك آليات فاعلة لإدارة الصراعات الخطيرة بين دوله الأعضاء، مما يدفع بأمم هذا الاتحاد إلى دعوة لاعبين من الخارج لتحدي الوضع القائم نيابة عنهم، ولا يقتصر مثيرو الشغب المحتملون هؤلاء على الصين، بل يشملون أيضاً روسيا والولايات المتحدة.

ندد ترامب بألمانيا في مسألة الدفاع، وعرض على بولندا والمملكة المتحدة جوائز سياسية كانتا ترغبان فيها منذ زمن، وأغدق الثناء على الائتلاف الإيطالي، أما روسيا، فتشكّل لاعباً قديماً يزداد تهوراً أخيراً، وفي المقابل تدرك الصين كيف تقحم نفسها في هذه الجدالات.

يبدو الهدف واضحاً. تستطيع الصين، بإضعاف وحدة الاتحاد الأوروبي، بناء علاقات اقتصادية ثنائية أقوى مع أعضائه وتحسين قدرتها على الوصول إلى السوق والتكنولوجيا من دون أن تخشى مواجهة شبيهة بتلك التي توجه دوماً علاقاتها مع الولايات المتحدة.

بدأ الأوروبيون يدركون أن قواعدهم الحالية تعجز عن حمايتهم من مخاطر مماثلة. لذلك يحتاجون إلى آليات أقوى بغية إدارة الصراعات السياسية وتحقيق تكامل أكبر. وكما دخلت الصين حقبتها الخاصة من الثورات بسبب ضغط القوى الاستعمارية الأوروبية، كذلك قد يرغم نهوض الصين أوروبا على إجراء تغيير جذري، ساعيةً ربما إلى اتحاد أكثر تقارباً.

* برونو ماكايس

*«آيزيان ريفيو»