جاءت جولة مجلس إدارة معهد دول الخليج العربية في واشنطن «AGSIW» إلى الكويت عشية وصول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إليها، أمس الأول، في زيارة مؤجلة منذ شهر يناير الماضي، بمنزلة افتتاح للحوار الاستراتيجي الأميركي - الكويتي الثالث، لتطرح على الطاولة الأسئلة الصعبة الضرورية لانطلاق ورشة جديدة في عملية البناء الدائمة لتعزير علاقة توصف بأنها أكثر من مميزة بين الكويت والولايات المتحدة.

في الكويت، أجرى أعضاء مجلس إدارة «AGSIW»، مجموعة لقاءات وندوات واجتماعات، تركزت حول العلاقات الأميركية- الكويتية، والأميركية - الخليجية وكيفية تعزيزها، عبر صقلها باستمرار، ومعالجة أي ثغرات تعتريها، وتمتين روابطها، والعودة على الدوام إلى أساسها الصلب: تعاون غير محدود قائم على المصالح المشتركة في الأمن والتنمية والازدهار الاقتصادي.

Ad

والتقى أعضاء وفد «AGSIW» النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد، وحضروا جلسة مجلس الأمة أمس الأول، قبل أن يجتمعوا برئيس المجلس مرزوق الغانم.

أعضاء الوفد زاروا كذلك سمو الشيخ ناصر المحمد، وغرفة التجارة والصناعة، حيث كان باستقبالهم رئيس مجلس العلاقات العربية والدولية محمد الصقر، وشاركوا في ندوة بمعهد سعود الناصر الصباح الدبلوماسي، وقابلوا فعاليات مجتمعية واقتصادية وأكاديمية كويتية.

وباستضافة الوزير السابق يوسف الإبراهيم عضو مجلس إدارة المعهد، الذي أسس عام 2015، عقد مجلس إدارة «AGSIW» اجتماعه السنوي بحضور أعضائه، وهم مجموعة من الباحثين الأكاديميين والخبراء والدبلوماسيين السابقين الذين يعرفون الكويت وتعرفهم جيداً، مثل السفير الأميركي السابق في الكويت إدوارد غنيم، والدبلوماسي ورجل الأعمال الأميركي فرانك وايزنر رئيس مجلس إدارة المعهد الذي تولى المفاوضات بين إدارة الرئيس السابق باراك أوباما والرئيس المصري السابق حسني مبارك خلال أحداث يناير ٢٠١١، ورئيسة المعهد السفيرة الأميركية السابقة في الإمارات مارسيل وهبة التي عملت كذلك مستشارة أولى لدول مجلس التعاون الخليجي، والصحافي والكاتب والباحث رئيس مجلس إدارة «المصري اليوم» عبدالمنعم سعيد الرئيس الشرفي والمدير المؤسس للمعهد، والكاتب والأستاذ الجامعي العضو في «بوش سكول» غريغوري غوز.

والى جانب من سبق ذكرهم يضم مجلس إدارة المعهد، خالد سفري، وفاطمة الشامسي، ونبيل حبايب وبرنارد هيكل وفاطمة الجابر، وابتسام الكتبي، والسفير توماس بيكرنغ وجروج سالم ومحمد العارضي وإبراهيم المهنى.

«رواية غير مسموعة»

في العادة يعقد مجلس إدارة «AGSIW» اجتماعين سنويين، الأول في أكتوبر ويلتئم عادة في الولايات المتحدة، والثاني يعقد مداورة في إحدى دول مجلس التعاون الست.

وفي حين كان الدور هذا العام على الكويت، قال غريغوري غوز لـ»الجريدة»: «وجودنا في الكويت له معنى خاص، لقد أردنا أن نكون هنا، لأننا نعتقد أن رواية الكويت أو مقاربة الكويت ليست مسموعة جداً أو بالأحرى ليست مفهومة بالقدر الكافي في واشنطن، وبما أن المعهد يعمل في واشنطن، وهدفه خلق جسور من التفاهم بين دول الخليج والولايات المتحدة، لقد اعتقدنا أنه أمر خاص أن نأتي إلى الكويت لأنه حقيقة... لا نعتقد أن صوت الكويت مسموع في واشنطن بالقدر نفسه لدول أخرى في مجلس التعاون».

الرؤية من واشنطن

حجم التساؤلات التي قوبل بها وفد المعهد في الكويت حول الدور الأميركي في منطقة الخليج وفي الشرق الأوسط يبدو أنه لم يشكل مفاجأة كبيرة، بل كان متوقعاً، بسبب الالتباسات الكبيرة التي تحيط بأداء الرئيس دونالد ترامب نفسه.

بهذا المعنى، يقول عبدالمنعم سعيد لـ «الجريدة»، إن خطاب الرئيس ترامب وبعض العناوين في سياساته لا تساعد على تبديد حالة عدم اليقين، لكن «كنّا واضحين وصريحين جداً خلال لقاءاتنا مع المسؤولين الكويتيين، وبحثنا معهم دور الكويت في المنطقة، كذلك الاقتراحات الأميركية للشرق الأوسط، وكنا حريصين جداً على إيصال الصورة واضحة لمضيفينا، وبالفعل رسم السفراء والدبلوماسيون أعضاء المجلس، صورة وافية للموقف في واشنطن وللرؤية من العاصمة الأميركية ولما تريده أميركا في المنطقة، واستمعنا في المقابل لوجهة نظر الكويت حول الاقتراحات الأميركية».

إيران وحدود الضغط

إيران التي باتت العنوان الأميركي الأول في المنطقة، تحضر في النقاش، خصوصاً مع بدء جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الثلاثية التي تشمل الى جانب الكويت إسرائيل ولبنان. بهذا الخصوص، يقول د. غوز: «جميع التقارير تشير إلى أن إيران ستكون في أعلى أجندة الوزير بومبيو، وهذا يعكس رؤية إدارة ترامب للمنطقة. هي تعتبر إيران تهديداً وتريد تنظيم الحلفاء والأصدقاء في المنطقة في جبهة واحدة ضدها».

لكن هل هناك مطالب أميركية محددة من الكويت بخصوص إيران؟ يلفت غوز إلى أن «من المثير للاهتمام أنه بين الدول التي تشملها جولة بومبيو، الكويت هي الأقرب جغرافياً إلى إيران وعليها أن تتعايش معها كجار. وعلى الرغم من أن الكويتيين يدركون إدراكاً تاماً أن إيران هي تهديد، فإن بعضهم يعتبرها واقعاً يجب التعامل معه، ولذلك قسم من الكويتيين يشدد على أن إيران تهديد، وقسم آخر على أنها واقع علينا التعامل والتحاور معه، واعتقد أن هناك اختلافاً في وجهات النظر».

هذا الاختلاف الذي تحدث عنه غوز ليس أمراً شاذاً بل يميل إلى أن يكون صحياً، وهذا ما كانت تسير عليه الأمور داخل إدارة ترامب قبل تخلص الرئيس من ريكس تيلرسون وجيم ماتيس واتجاهه نحو نهج أحادي.

في المقابل، يقول د. سعيد، إن بومبيو سيثير بالتأكيد في الكويت موضوع العقوبات على طهران، لكنه في الوقت نفسه سيكون حاضراً لسماع أن هناك حدوداً لما يمكن أن تفعله الكويت بهذا الشأن».

وإذا ما أضيفت جهود الكويت الأمنية والمالية المواكبة للضغوط الأميركية على طهران، والتي يبدو أن آخرها كان توقيف شخصيات لها علاقة بحزب الله وبدمشق، يظهر أن واشنطن والكويت قادرتان تماماً على المناورة، وأن الملف الإيراني لا يبدو أنه يشكل بؤرة توتر حقيقية على مسار العلاقة بينهما.

أزمة قطر

في رد على سؤال إلى متى يمكن أن يستمر «الستاتيكو» القائم في أزمة قطر، يجيب د. غوز :«طويلاً جداً»، ويضيف: «قطر لديها أحد أعلى ناتج محلي في العالم، ويمكنها أن تصمد أمام إجراءات الرباعي».

ويعقب د. سعيد: «ليس هناك تهديد عسكري على سبيل المثال، وبالتالي هذه الأزمة ليست أولوية على أية أجندة لا في الولايات المتحدة ولا في غيرها».

لا يعني هذا أن الولايات المتحدة ستتوقف عن المطالبة بإنهاء الخلاف الخليجي، ولا يعني كذلك أنها لا تقدّر مبادرة الكويت لحله. في الحقيقة موقف الكويت مبدئي لناحية التمسك بمجلس التعاون الخليجي، الذي كان مثالاً على قدرة دول المنطقة على التعاون متعدد المستويات والسير بخطوات تكاملية وربما الوصول إلى اتحاد على الطريقة الأوروبية. بهذا المعنى حتى طرفي الأزمة الخليجية يعترفان بضرورة الإبقاء على هذا التكتل الإقليمي، وقد نجحت جهود الكويت مضافة إلى التجاوب العقلاني من دول المجلس، في الحفاظ على حد مقبول من العمل الخليجي المشترك.

«لا ناتو عربياً»

وبينما لا تزال واشنطن تجدد دعوتها الى تشكيل التحالف الاستراتيجي لدول الشرق الأوسط المعروف بـ «الناتو العربي»، تتعامل دول المنطقة ببرودة مع هذا المقترح، الذي تلفه التساؤلات من كل جانب.

ويقول د. سعيد: «من وجهة نظري هذا التحالف ليس ضرورياً لأنه موجود فعلاً بين السعودية ومصر والإمارات والبحرين. هذا الرباعي يحاول التقارب مع الاْردن وكذلك منذ فترة قصيرة جرت مناورات عسكرية مصرية كويتية، ولذلك الهدف من هذا التحالف غير مفهوم والتوضيح يقع على عاتق واشنطن».

«صفقة القرن»

من ناحية أخرى، تستعد إدارة الرئيس ترامب لإعلان طال انتظاره عن خطتها للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو ما يسمى «صفقة القرن»، وقد ضربت موعداً بعد الانتخابات الإسرائيلية المبكرة المقررة في 9 أبريل المقبل. وبما أنه من شبه المؤكد فوز زعيم «ليكود» بنيامين نتنياهو بولاية جديدة فعلى الأرجح ستلتزم واشنطن بهذا الموعد. يقول د. سعيد لـ «الجريدة»، إن القاهرة شهدت بالفعل جولات استطلاع أميركية بشأن الصفقة، ويتابع أن وزير الخارجية الأميركي سيستطلع بالتأكيد موقف الكويت ورد فعلها المحتمل من الخطة، لأنها تقترح تحقيق السلام بين الدول العربية أولاً ثم بعد ذلك الفلسطينيين.

وبالنظر إلى مبدأ «الكويت هي آخر بلد يطبع مع إسرائيل» الثابت في الدبلوماسية الكويتية، الذي جددت الكويت التزامها به أخيراً، فإن «صفقة القرن» ستكون في الفترة المقبلة أحد عوامل الضغط على العلاقات الأميركية -الكويتية.

استدارة إلى الشرق... ولكن

هل يممت الكويت وجهها شرقاً شطر الصين؟ يجيب غوز بسرعة جازماً: «بالطبع»، ويشرح : «ليست الكويت وحدها، دول الخليج كلها باتت تنظر باتجاه بكين المشتري الأكبر للنفط، هذا ليس جديداً إنه اتجاه عمره سنوات».

هل يهدد ذلك أميركا؟ وهل تهدد شراكة الكويت مع الصين في مبادرة الحزام والطريق واشنطن؟ يقول غوز: «ليس فعلاً، اهتمام واشنطن بالكويت ليس نابعاً من حجم المداولات التجارية بين البلدين. الولايات المتحدة يهمها النفط، ليس لأنها تريد استيراده إذ بدأت تكتفي ذاتياً وتصدر الفائض بل بمعنى حرصها على ضمان أمن الطاقة واستمرار تدفق النفط في شرايين النظام التجاري العالمي، فأمن هذا الأخير من أمن النفط».

يعقب د. سعيد بسؤال: «من هو أكبر مستورد من الصين؟ ليجيب: «إنها الولايات المتحدة. الحرب التجارية ليست صراعاً على النفوذ، إنها بكل بساطة شعور واشنطن بأن ميزان التجارة في بعض البلدان ليس عادلاً بالنسبة لها، والصين ترى كذلك في أماكن أخرى، والأمر متروك للتفاوض، وككل شيء في العلاقات الدولية لا يمكنك ان تأخذ كل شيء وعليك أن تفاوض وتساوم».

«2035» رهان على السلام

بالحديث عّن خطة 2035 لـ «الكويت الجديدة» يتفق سعيد وغوز على أن الموضوع ليس تحدياً كويتياً صرفاً، مشيرين إلى خطة 2030 في السعودية وخطة 2030 في مصر. وإذا كانت الكويت والرياض تشكوان من اعتماد الاقتصاد على النفط، فالقاهرة تشكو من اعتمادها على السياحة، والهدف واحد هو تنويع الاقتصاد وخلق مزيد من فرص العمل، بالتالي فإن هذه الدول ليس أمامها خيارات إلا بالعمل والسعي بكل الطاقات لإنجاح هذه الخطط لتفادي اضطرابات أو انهيارات اقتصادية.

من جانب آخر، يقول د. غوز، إن تطوير الكويت للمنطقة الشمالية قد يجعلها أكثر تأثراً بالأوضاع في العراق وإيران وبالعلاقة الأميركية مع هذين البلدين، ويضيف: «إنه رهان على السلام».

«صعبة لكنها لا تخيف»

التحديات التي تواجهها العلاقات الكويتية الاميركية والأسئلة حول كيفية تطورها وتكيفها لتحافظ على خصوصيتها صعبة، لكن وفد معهد «AGSIW» الذي اختتم زيارته إلى الكويت كان حريصاً على التعامل ببرودة مع بعض المخاوف والشكوك التي مالت باتجاه المبالغة في تصوير مسار انحداري حاد أو انقلاب دراماتيكي في العلاقة التاريخية بين البلدين. الأسئلة صعبة لا شك لكن العمل عبر الحوار والتعاون ومواصلة التمازج للوصول إلى إجابات مشتركة هو الطريق الوحيد لتبديد المخاوف.

مهمة AGSIW

تأسس معهد دول الخليج العربية في واشنطن عام 2015، وهو مؤسسة مستقلة غير ربحية مخصصة لتقديم أبحاث وتحاليل متخصصة حول الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لدول الخليج العربية وتأثيرها على السياسَتَيْن المحلِّية والخارجية. ويركّز المعهد على قضايا تنطلق من السياسات والأمن وصولًا إلى الاقتصاد والتجارة والأعمال من جهة، ومن الديناميات الاجتماعية وصولًا إلى المجتمع المدني والثقافة من جهة أخرى. ويسعى المعهد، من خلال البرامج والمنشورات والتبادلات العلمية، إلى تشجيع النقاش البنّاء وإعلام المجتمع السياسي في الولايات المتّحدة بشأن هذه المنطقة الجيوستراتيجية الحسّاسة.