يقول الخبير الدستوري، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق في جامعة الكويت د. محمد الفيلي، ان «الحكم يثير إشكالية رد الاعتبار، لأن المحكمة الدستورية في أحكام سابقة اشترطت أن تكون العقوبة فعلية للحرمان، وهنا «التمييز» لم تشترط أن تكون العقوبة فعلية، وقررت مد النطاق إلى الأحكام الصادرة مع وقف النفاذ ما لم يكن رد اليه الاعتبار، مع ان رد الاعتبار هنا غير منظم قانونا، لأن حكم الإدانة لم يسر لاحتسابه».

ويبين الفيلي قائلا، إن «مفهوم الشرف والأمانة استخدمه المشرع في عدد من المواضع كقانون الخدمة المدنية، وورد أيضا في قانون الانتخاب، ومن المتفق عليه أن المفهوم مرتبط بالمنصب المراد شغله، وأحكام القضاء الإداري تقرر انه يرتبط بالوظيفة، فما يعد مخلا بالأفعال والشرف بوظيفة قد لا يعد كذلك بوظيفة أخرى، ولأننا نريد أن نحمي صورة هذه الوظيفة لدى الجمهور، وان تكون لها احتياجات خاصة، إذن الربط بكل حالة منصب على حدة، ولكن السؤال، هل هذه المزايا تلفت نظرنا عن عيوب عملية أخرى؟».

Ad

ويقول الفيلي إن «تدخل المشرع لضبط مفهوم الشرف والأمانة صعب جدا، لماذا؟ لأنه مفهوم مرتبط بما يحسه الناس بوقت معين أنه مخل بالشرف والأمانة ويجعلهم لا يثقون بالوظيفة، ولأن من تولاها لا يتمتعون بالصفة، ولذلك نحن أمام مسألة تختلف باختلاف الزمان، إذا فالتدخل التشريعي لوضع معيار صلب له لا يكون عمليا، وترك الأمر للقاضي يحسن أيضا العمل معه وضع ضوابط، وربط الأمر بطبيعة الوظيفة، علما أننا باستثناء مفهوم تولي الوظائف العامة عن مفهوم الترشيح والانتخاب، وذلك لأن الترشيح والانتخاب حقان شخصيان، أما تولي الوظيفة العامة فليس حقا شخصيا، ومن ثم القياس على تولي الوظيفة العامة غير دقيق، وفي مفهوم الترشح بصدد حق الجماعة وتقرير الجماعة، وقد يكون من الأفضل ونتيجة لصعوبات عملية في ضبط المسألة واختلاف الطبيعة القانونية عن الترشح والانتخاب من الأفضل الذهاب إلى معيار أكثر ضبطا قد يكون الأخذ بخطورة العقوبة ودرجة العقوبة، وإذا كانت بعقوبة جناية فمعناه أن القضاء أخذ بمعيار خطورة العقوبة، ومن ثم العمل بمعيار رقمي كبير بمقدار العقوبة، وهو يجنبنا معيار الضبط والربط، وقد يكون من السبل التي نسير فيها، وهو السبيل الأحدث نزيل مفهوم الحرمان من حق الانتخاب باعتبار أن من يرتكب الجريمة قد نال جزاءه بنيل جزائه وعوقب، فلا مبرر من إضافة عقوبات إضافية، وهذا أيضا طريق جيد للتفكير فيه، وخاصة أننا إذا ما نريد الأخذ بمفهوم المواطن المثالي الذي يمارس الحقوق السياسية لا ننتبه حقيقة إلى وجود من هو سيئ السلوك، ولكن لم يقبض عليه، وبالتالي لا نحصل على ناخب مثالي أو مرشح مثالي، ونعترف وفق الدستور هناك ربط بين الشروط بين الناخب والدستور، ومن الصعب أن نضع معيارا خاصا للمرشحين غير ما ورد بالمادة 82 من الدستور، لأنها وردت بالدستور أو أننا نختار جرائم المساس بالأموال العامة والذمة المالية، وهي الجرائم التي تؤثر على الأداء الاحتمالي لعضو المجلس، والحل القائم به إشكالات بالتطبيق بما يبرر العدول عنه».

الحقوق السياسية

بدوره، يقول الخبير الدستوري أستاذ القانون العام د. محمد المقاطع إن من المعلوم أن الدستور الكويتي كفل للأفراد كل الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يمارسونها وفقا لما هو مقرر في القانون، وطبعا من الحقوق السياسية هو حق الشخص أن يرشح لعضوية مجلس الأمة، وهذا الحق لا يجوز أن يحجب عنه أي شخص إلا وفقا لما هو مقرر في القانون، فإذا كان شخصا ارتكب جريمة هي جناية أو جنحة مخلة بالامانة والشرف، مما يقع في تعريفها ضمن هذه الجرائم، فإنه في هذه الحالة يكون من الجائز أن يحجب عن حقه في الترشح.

وسائل

وأضاف المقاطع: «الا ان الحكم الذي اصدرته التمييز مؤخرا، والذي اشار الى ان من ضمن الجرائم التي تدخل في عداد جرائم الأمانة والشرف هو الاشتراك في المظاهرة، حتى وإن كانت هذه المظاهرة غير مرخصة، فإن ذلك يعد توسعا غير سائغ، ولا يحمل على أسبابه، ويخرج عما هو محدد في نص قانون الانتخاب بشأن ما يجوز أن يكون سببا لمنع المرشح أو الناخب من أن يكون ضمن الناخبين أو ضمن المرشحين، خصوصا أن المادة 36 من الدستور نصت على أن للإنسان الحق في التعبير عن رأيه بكل الوسائل والطرق، وبما في ذلك التعبير عن حقه من خلال الاشتراك بالمظاهرات المتاحة، وفقا لممارسة حقوقه لهذه الحرية، بل وهو ذات الأمر الذي أباحه الدستور في نص المادة 44 منه، حينما سمح للأفراد بحق الاجتماع دون حاجة الى إذن أو إخطار سابق، بل لهم حق الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات، وتشمل في ثناياها التظاهر، مادام سلميا وليس فيه ارتكاب لأي جريمة، ولا يؤدي إلى وجود أي خروج عن القانون، وليس للمحكمة أن تتوسع في الأمر حتى تحجب الحق عن الناخب والمرشح بممارسة حقه في الترشح والانتخاب لمجلس الامة».

ويقول المقاطع إن فكرة أن يكون الشخص مشاركاً في مظاهرة عامة لا تمنع حقه حتى لو اعتبرنا ان المظاهرة جريمة وفيها أسباب أن يكون عرضة للعقاب لقانون الجزاء بدون ترخيص، وليس لهذه الجريمة في منع الشخص من الترشح لمجلس الأمة، أو منع إدراج اسمه ناخباً، لأن المشاركة بالمظاهرة بحد ذاته لايعد سبباً من الأسباب، التي تلحق بالشخص لأنها ليست بالجرائم المخلّة بالأمانة والشرف، ومن ثم فإن وصف المحكمة أن الاشتراك بالمظاهرة يعد إخلالاً بالامانة والشرف فيه توسع وخروج عن هذه الجريمة، وإن كان المشرع لم يحدد الجرائم المخلّة بالأمانة والشرف، لكنها الجرائم الماسة بالاعتبار والمكانة الخلقية والاعتبار والذمة المالية والاشتراك بمظاهرة لا ينال من الاعتبار الشخصي والمكانة الخلقية ولا ذمته ولا شرفه ومع التقدير بأن بعض الجرائم غير محدد بالتشريع، فإن القضاء هو الذي يقدر بيان طبيعة بيان الجرائم إلا أن الاشتراك بالمظاهرة ليس من بينها بكل تأكيد، وما يدعونا إلى أن نطالب المشرع الإسراع وتوصيف الجرائم المخلة بالأمانة والشرف وتحديدها حصراً كي لا تكون عرضة للاجتهادات القضائية تؤدي إلى حرمان الأفراد من ممارسة حقوقهم الأساسية بناء على تفسيرات قضائية غير سائغة وغير مبررة كما هو الحكم الصادر.

حقوق

بدوره، يقول عميد كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فايز الظفيري إن على المشرع الكويتي إعادة النظر في أحكام قانون الانتخاب، الذي يتطلب مراجعة عامة خصوصاً أنه صدر قبل 50 عاماً مما يستدعي مراجعة الأحكام والقواعد الواردة فيه، ويضيف الظفيري، إن قانون الانتخاب يعد من أهم القوانين التي تنظم ممارسة حقوق الانتخاب والترشح فضلاً عن الإجراءات، التي تقوم بها العملية الانتخابية، وان الاحكام التي وردت فيه تتطلب مراجعة بين كل حقبة زمنية بعد تقييمها والنظر في الصعوبات العملية التي شهدت تطبيقها.

أما أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. خليفة الحميدة فيقول، إنه سبق أن نادينا منذ زمن ليس بالقصير بشأن خطورة الاتجاه إلى تقاعس المشرع عن تحديد الجرائم، التي يصطبغ عليها مصطلح المخلّة بالشرف أو الأمانة. وطالما كان الأمر كذلك فلا عجب من القول بترك تحديد الطبيعة القانونية عندئذ إلى القضاء. لكن يعيب ذلك إمكان صدور أحكام تتعارض مع بعضها بعضاً فيما تعد بعضها جريمة أنها مخلة بالشرف أو الأمانة بينما قد تصدر أحكام بخلاف ذلك.

ويضيف الحميدة قائلاً: «ان الموضوع يشتد صعوبة عندما نعلم عدم اعتماد النظام القضائي الكويتي على السوابق القضائية، وإن كان هناك التزام أدبي في العلاقة بين درجات المحاكم الختلفة، وأما القول بصعوبة تحديد ذلك تشريعياً فأرى خلاف ذلك. بعد أن حدد المشرع نتيجة الحكم على الشخص بمثل هذه الجرائم مما يفقده الحق في الانتخاب والترشح والتعيين في الوزارة. لم يكن يجدر به ترك تحديد هذه الجرائم. فهو التزام يجب ألا يُترك مبهماً، واما إجراء التحديد لما يعد من قبيل هذه الجرائم فيكون إما بارتفاع المنهج الحصري أو بتبني المنهج المعياري. وأقصد بالأول سرد الجرائم، التي تعتبر بحسب طبيعتها مخلة بالشرف أو الأمانة سواء كان ذلك بصورتها المجردة أو متى ما اقترنت بظروف أخرى وهذه الظروف تتشابه مع تلك التي إذا أتت على أي جريمة ترفع عقوبتها إلى الحد الأقصى. أما المنهج المعياري فيضع فيه المشرع معياراً لما يعد من قبيل هذه الطائفة من الجرائم، فمتى ما ارتكبت الجريمة فيها عدت مخلة بالشرف أو الأمانة ويحرم الجاني عندئذ من الانتخاب والترشيح والتعيين في كوزير.

ويبين الحميدة قائلاً: عموماً يجب أن يبادر مجلس الأمة على الأقل إلى تبني المعيار الأول فيكون المرء على بينة من عواقب ارتكابه لهذا النوع من الجرائم. ولا يمنع من العودة بعد فترة وأخرى إلى مراجعة القائمة وإدخال جرائم جديدة وإخراج أخرى. وأختم بأن ما قضت به المحكمة ليس بغريب إذ إن المشرع ابتداء بتركه لحصر هذه الجرائم والمحكمة الدستورية في قضاء لها جعلت الموضوع في يد المحاكم الكويتية لتحديد كل جريمة على حدة. المشكلة تكمن في احتمال التمييز بين الجناة بين أحد منهم تعد مخلة بالشرف أو الأمانة وآخر وإن ارتكبها لا تمثل له ذلك.