يثير حكم محكمة التمييز الأخير باعتبار الاشتراك في مظاهرة عامة غير مرخصة من الجرائم التي تمس الشرف والأمانة، وبالتالي "... يفقد المطعون ضده شرطاً قانونياً يمنعه من الترشح لمجلس الأمة..." الكثير من التساؤلات، فالمحكمة قررت في أسباب حكمها السالف "... من أن المشرع لم يورد تحديداً أو حصراً للجريمة المخلة بالشرف أو الأمانة"، وترك هذا لمحكمة الموضوع... "في ضوء معيار عام مقتضاه أن يكون الجرم من الأفعال التي ترجع إلى ضعف في الخلق أو انحراف في الطبع وتفقد مرتكبها الثقة أو الاعتبار أو الكرامة، وفقاً للمتعارف عليه في مجتمعه من قيم وآداب، مما لا يكون معه الشخص أهلاً لتولي المناصب العامة بمراعاة ظروف كل حالة على حدة بحسب الظروف...".

وفي مكان آخر من الأسباب التي ساقها الحكم قررت المحكمة أن الجريمة (الاشتراك في مظاهرة عامة دون ترخيص) تعد من الجرائم التي تمس الشرف والأمانة، مما يفقد المطعون ضده شرطاً قانونياً يمنعه من الترشح لعضوية مجلس الأمة... فهل يمكن القبول عقلاً، في ضوء أن "جرائم الشرف والأمانة التي ترجع إلى ضعف في الخلق أو انحراف في الطبع"، وهو المعيار الذي استرشدت به محكمة التمييز في حكمها باعتبار أن المشاركة في مظاهرة ما، وهي تعبير عن رأي سياسي أو اجتماعي ضد هيمنة متسلطة من الإدارة الحاكمة، كما يتصورها المتظاهر المعترض عليها، وعلى نهجها، تعد من جرائم الشرف والأمانة وبالتالي لا يختلف، مثلاً، الأمر هنا في الخروج في مظاهرة سياسية عامة عن جرائم هتك العرض والشرف، مثل الفعل الفاضح في مكان عام أو المواقعة الجنسية... وغيرها من جرائم وضعها المشرع تعد "ضعفاً في الخلق وانحرافاً في الطبع"...! هل يعد حكم التعبير بالرفض لقرار أو نهج سياسي معين اتخذ شكل التظاهر العام هنا مساوياً في جنوحه لمسائل هتك العرض أو خيانة الأمانة أو سرقة أموال عامة على سبيل المثال لا الحصر؟

Ad

في حكم مشابه، قررت في السنة الماضية محكمة إدارية بمصر أن الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين يعد جريمة مخلة بالشرف والأمانة.

في مثل عالمنا العربي البعيد عن الحكم الديمقراطي ومعايير دولة حكم القانون، كما هي في الدول التي سبقتنا بعقود في دنيا التقدم الحضاري، من الصعب إن لم يكن من المستحيل وضع الفاصل بين السياسي والقانوني، بين عالم السياسة المتغير والمتبدل حسب رأي السلطة الحاكمة وبين عالم القانون شبه الثابت، والمقرر بداية ونهاية لحقوق وحريات الأفراد.

هنا يظهر أن التدخل التشريعي في مثل جرائم الرأي بالكويت ضرورة كي تضبط الأمور في الأحكام القضائية، لكن حين نتأمل وضع "المشرع الكويتي"، وكيف تدخل في قضايا الرأي والضمير في السنوات القليلة الماضية، لا يمكن إلا أن نقول "غطيني يا صفية، أو انفخ يا شريم...".