تحتفل تونس يوم 20 مارس 2019، بالذكرى الثالثة والستين للاستقلال المجيدة، وهي ذكرى خالدة يستذكر فيها التونسيون والتونسيات بالداخل والخارج، بكل فخر واعتزاز، نضالات شهداء تونس الأبرار وتضحياتهم الجسام من أجل الدفاع عن الوطن ونيل الاستقلال وتحقيق الحياة الكريمة للشعب.

ولئن تمثل هذه الذكرى علامة فارقة في تاريخ تونس العريق، يحق للتونسيين أن يحتفلوا بها ويخلدوا رموزها، فإنها مناسبة وطنية مهمة يستلهمون منها المعاني والدلالات العميقة للاستقلال من أجل بناء الدولة الحديثة، وتركيز مؤسساتها وتحقيق تطلعات الشعب وآماله للعيش في كنف الحرية والكرامة والأمن والأمان والاستقرار والنماء.

Ad

وتستعد تونس نهاية السنة الجارية لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، وهي حريصة كل الحرص على تأمين كل مقومات النجاح لها على درب استكمال مسار انتقالها السياسي وتعميق تجربتها الديمقراطية الفتية.

ولا شك أن بناء الدولة الحديثة يستدعي، أولاً وبالذات، التعويل على الإمكانيات الذاتية للبلاد ومقدراتها ومكتسباتها والانخراط الكامل في منظومة العلاقات الدولية، وإرساء صلات تعاون وقنوات ترابط مع شركاء تونس من الدول الشقيقة والصديقة، وفي مقدمة هذه الدول تتبوأ دولة الكويت الشقيقة مكانة مهمة ومنزلة مرموقة من خلال ما أبدته من دعم لتونس في إطار شراكة حقيقية متكاملة ومتضامنة مبنية على علاقات الإخاء العريقة وروابط الانتماء إلى الفضاءات العربية والإسلامية المشتركة، ومستندة إلى تماثل التجارب التنموية وتبادل المنافع والمصالح وتجانس المواقف في القضايا العربية والإقليمية والدولية.

وإن احتفال تونس بذكرى الاستقلال يمثل مناسبة للتذكير بعراقة العلاقات التي تعود جذورها إلى أوائل القرن الماضي من خلال زيارة الشيخ عبدالعزيز الثعالبي أحد أبرز رواد الحركة الوطنية إلى الكويت سنة 1923، وزيارة الزعيم الحبيب بورقيبة سنة 1962، وما حظي به من حسن استقبال وكرم وفادة من قبل القيادة والشعب الكويتي. ولعل ما تحظى به العلاقات بين البلدين الشقيقين حاليا من عناية خاصة ورعاية موصولة من قيادتهما وما تحقق من نتائج ملموسة على أرض الواقع في السنوات الأخيرة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية لدليل قاطع على متانة هذه العلاقات وعراقتها وأصالتها.

وشكلت الزيارة التي أداها سيادة رئيس الجهورية الباجي قايد السبسي إلى دولة الكويت في شهر يناير من عام 2016، تلبية لدعوة كريمة من أخيه حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، إحدى المحطات الرئيسة في التاريخ الحديث، والتي مكنت من تأمين انطلاقة متجددة وواعدة للعلاقات بين البلدين الشقيقين، وساهمت في أحداث ديناميكية نشطة للتعاون التونسي الكويتي في كل مجالاته.

وتمثل اللجنة المشتركة الإطار العام الذي يتم فيه التباحث حول هذه العلاقات وسبل دعمها وتعزيزها، والآلية الأساسية التي ترتكز عليها كل مجالات التعاون، ونأمل أن يكون اجتماع هذه اللجنة في دورتها الرابعة بتونس خلال الربع الثاني من هذا العام برئاسة السيد خميس الجهيناوي وزير الشؤون الخارجية ومعالي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، مناسبة لمزيد توثيق التعاون الثنائي وتوسيعه إلى مجالات جديدة وواعدة وإثراء الإطار القانوني المنظم للعلاقات بين البلدين.

والمتتبع للعلاقات التونسية الكويتية خلال السنوات الأخيرة، يلاحظ الحركة الدؤوبة التي أضحت عليها على مستوى تنشيط ملفات التعاون الثنائي من خلال تبادل زيارات كبار المسؤولين في الدولة والوفود الاقتصادية، حيث شهدت سنة 2017 بداية التنفيذ الفعلي لعدد من المشاريع التنموية التي تم الاتفاق عليها في المؤتمر الاستثماري الدولي "تونس 2020"، والذي شاركت فيه الكويت بوفد رفيع المستوى. هذا إلى جانب توسيع التعاون الثنائي إلى مجالات حيوية على غرار التعاون العسكري من خلال إنشاء لجنة عسكرية عقدت اجتماعها التأسيسي الأول بتونس في شهر أغسطس 2018، واستعادة التعاون الاقتصادي نسقه من خلال التئام اللجنة التجارية المشتركة بتونس في شهر سبتمبر الماضي.

وبالإضافة إلى هذا التطور الإيجابي على المستوى الرسمي، فإن العلاقات توسعت ونفذت إلى أبعادها الشعبية، بدعم من القيادة في البلدين، من خلال الزيارة التي يقوم بها حاليا السيد محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب التونسي إلى الكويت تلبية لدعوى كريمة من السيد مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة، وهي الزيارة الأولى على المستوى الثنائي لرئيس برلمان تونس إلى الكويت، هذا إلى جانب إنشاء مجلس تعاون تونسي كويتي مشترك برئاسة السيد فهد المعجل عن الجانب الكويتي والسيد فتحي الحشيشة عن الجانب التونسي، ويضم في عضويته شخصيات اقتصادية وثقافية وإعلامية من الجانبين.

وسيعمل هذا المجلس المشترك على رفد الجهود الرسمية القائمة لتعزيز التعاون التونسي الكويتي في مجالاته المختلفة وإكسابه النجاعة والقوة المرجوتين والمساهمة في تحقيق النقلة النوعية في العلاقات والوصول بها إلى مستوى الشراكة الفاعلة والمتضامنة.

إلى جانب العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين تحرص تونس على تعزيز التشاور والتنسيق مع دولة الكويت في المحافل العربية والإقليمية والدولية.

في هذا الإطار، وبمناسبة احتضانها للقمة العربية في دورتها الثلاثين نهاية شهر مارس الجاري، أوفد رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي إلى حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، مبعوثين خاصين للتشاور والتنسيق حول القضايا العربية الراهنة، باعتبار المكانة المهمة للكويت على الصعيد العربي ودورها الفاعل في لمّ الشمل العربي وتحقيق التضامن بين بلدانه.

وإن تونس تتطلع إلى استقبال حضرة صاحب السمو ضيفاً مبجلاً وأخاً عزيزاً على أخيه سيادة رئيس الجمهورية، وتأمل أن تكون هذه القمة العربية قمة التوافق العربي والسير على درب تحقيق تطلعاته الشعوب العربية إلى مزيد من التكافل والتضامن.

وتعمل تونس كذلك في إطار عضويتها القادمة بمجلس الأمن الدولي للفترة 2020-2021 على مزيد التنسيق مع الكويت والتشاور معها والاستئناس من تجربتها في هذا المحفل الدولي المهم.

وفي الختام لا يسعنى إلا أن أرفع أسمى عبارات الامتنان والاحترام للقيادة الكويتية ولجميع أعضاء الحكومة والمسؤولين في وزارة الخارجية في الوزارات والهياكل الكويتية المختلفة على الدعم الذي أحظى به لتسهيل مهامي في سبيل توثيق العلاقات التونسية الكويتية والرقي بها إلى آفاق واعدة تجسيداً للإرادة الصادقة والقيادة العليا في البلدين وتحقيقاً لتطلعات الشعبين الشقيقين إلى مزيد من التقدم والرقي والازدهار.

* سفير تونس بالكويت