صُعق العالم بأسره، وصُعقنا معه من حجم وطابع الجريمة الإرهابية البشعة التي ارتكبت في كرايستشرش في نيوزيلندا وأدت إلى استشهاد أكثر من أربعين مسلما وجرح عدد أكبر من المصلين المسلمين وهم يؤدون صلاة الجمعة.

هذه الجريمة كانت نتاجا مباشرا للفكر العنصري الشعبوي البغيض الذي انتشر في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم، والذي يُروج لكراهية العرب والمهاجرين، وهو فكر يعيد إنشاء الفاشية العنصرية في أبشع صورها، بنشره للأفكار العنصرية الشوفينية وكراهية الآخرين.

Ad

وأحد ملامح هذا الفكر العداء الحاقد للمهاجرين الذين يضطرهم الاقتصاد المعولم وسوء أحوالهم إلى الهجرة بحثا عن عمل وعن حياة كريمة، والعنصرية في هذه الحالة لا تقتصر على الجانب الثقافي والأيديولوجي، بل هي راسخة بعمق في النظام الاقتصادي الرأسمالي المتوحش المهيمن، والذي يفرض بالقوة حرية تنقل رأس المال والاستثمار، وحرية تنقل البضائع، وحرية السيطرة على أسواق دول العالم بما فيها الأكثر فقرا، ولكنه يحد من حرية تنقل القوى العاملة ويُحرمها، بهدف تكريس استغلالها في بلدانها من قبل الاقتصاد المعولم.

وقضية المهاجرين وما يتعرضون له من ملاحقة، واضطهاد، وجرائم، ليست سوى تعبير عن هذا التناقض الرئيس للنظام الاقتصادي المعاصر.

ويترافق ذلك مع تعبئة عنصرية لا يخجل من ممارستها قادة ورؤساء دول عظمى وحكومات، ومنها تصريحات نتنياهو العنصرية ضد العرب والفلسطينيين والتي تمر دون حساب، حتى عندما تتحول إلى قانون قومية عنصري كقانون القومية اليهودية، الذي يحول الفلسطينيين إلى ضحايا نظام أبارتهايد وتمييز عنصري رسمي، وحتى عندما تصل إلى درجة إعلانه أن الدولة لليهود فقط وليست لكل مواطنيها.

وأحد أشد مظاهر العنصرية الاستعمارية الذي تصاعد مؤخرا كان شيطنة الإسلام والعرب والمسلمين، والذي بُني على قاعدة شيطنة الفلسطينيين ونضالهم وإلصاق سمة الإرهاب بهم دون تمييز.

ذكرتنا جريمة نيوزيلندا بمجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف التي ارتكبها الإرهابي باروخ غولدشتاين قبل خمسة وعشرين عاما، والتي أودت بحياة تسعة وعشرين شهيدا وهم راكعون يؤدون الصلاة وأسفرت عن ارتقاء خمسين شهيدا آخر برصاص الجيش الإسرائيلي.

واليوم يتحالف نتنياهو علنا بلا خجل، أو تردد، مع حلفاء وأنصار باروخ غولدشتاين، ومائير كاهانا، الفاشيين الذين يقيمون مراسم التكريم لغولدشتاين على مدار العام.

لو أن العالم وزعماءه وقفوا بحزم ضد جريمة غولدشتاين ولم يتستروا عليها، لربما كان من الممكن تجنب الجريمة البشعة في نيوزيلندا.

ولا يحق لأحد أن ينسى عشرات ملايين الضحايا، والدمار الهائل، الذي نجم عن التراخي في التصدي للفاشية قبل نحو مئة عام.

لن تكفينا، ولن تكفي ضحايا جريمة نيوزيلندا، بيانات الإدانة والاستنكار التي سينساها العالم بعد أيام، ولن تعيد هذه البيانات الحياة للضحايا، أو تخفف ألم أحبائهم وأقاربهم.

لكن ما سيخفف ألمهم وألمنا أن يقف العالم بأسره ضد العنصرية، وأحزابها ومنظماتها وأيديولوجيتها الشعبوية، التي تحقق انتصارات انتخابية متتالية في الغرب، وأن يقف العالم بشجاعة ضد أنظمة الأبرتهايد والتمييز العنصري، وأشدها وقاحة نظام الأبرتهايد الإسرائيلي.

الفاشية، والعنصرية، واللاسامية، والإسلاموفوبيا، والعداء للمهاجرين، كلها نتاج لفكر عنصري مشوه واحد، والسكوت عنها لا ينتج سوى الإرهاب البشع الذي آذى الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي في الخليل، ورأينا بشاعته المفجعة في جوامع نيوزيلندا.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية