لطالما كنت أتشاءم من الأجواء الممطرة، كنت أكره غياب الشمس المحجوبة بالغيوم القاتمة وأجواء الرطوبة الدبقة التي تبعث على الضجر، كنت أكره تبلل كل شيء حولي بسبب الأمطار فتعم الفوضى وتتسخ الملابس والأحذية. كنت أتضايق كثيراً من عدم القدرة على تنبؤ ما تخبئه لنا هذه الأجواء، فرذاذ المطر الرقيق يمكنه أن ينقلب سيلاً هائجاً في لمح البصر... لم أدرك أنه قد فاتني الكثير إلى أن شهدت النتائج المذهلة ما بعد الأمطار.

فالزروع تفترش الأرض والأزهار تتفتح وكأنها ظهرت من العدم، فتظهر حياة جديدة مصاحبة لها من طير ونحل وفراشات. تشرق الشمس مجدداً برفقة قوس قزح الزاهي هذه المرة، فتتجدد السماء، المطر يغسل كل شيء فيسقط الغبار، ذاك الذي يجعل كل شيء رتيباً ضبابياً، ويغدو كل شيء أكثر تجلياً ووضوحاً، وها هو بريق الصاعقة يضرب الأرض فيخلق لنا عروقاً من الذهب... هكذا علمني المطر تقبل تقلب أحوال الحياة والرؤية البعيدة للجمال المتكون بعد كل تلك الصعاب.

Ad

علمني المطر التعقل وعدم إطلاق الأحكام المسبقة على الأمور، ووصفها بتلك الصفات الإنسانية المحدودة من "جيد" و"سيئ"، فالكثير من الخير والجمال قد يقع فيما اعتبرناه سيئاً، والكثير مما رأيناه خيراً لا خير فيه! فهو لا يتعدى كونه متعة عابرة فحسب. لذا فلنتعمق في فهمنا وتحليلنا للأمور، ولنكن كقطرة المطر النقية، التي حللت شعاع الضوء الواحد فشطرته إلى سبعة أطياف.

في الطبيعة عمق ومجاز يستحق التوقف عند جلاله، فنحن نفهم ذواتنا عندما نفهم نبض الطبيعة وعجلة سيرها، كل ما حولك يحمل رسالة إن أنت أحسنت الفهم والإدراك، ورفعت رأسك قليلاً لترى ما هو أبعد من شاشة هاتفك الذكي.

تبكي السماء فتتجدد الحياة، تنفجر البراكين فيفيض كل ثمين من باطن الأرض، لا حياة دون هذه المفارقة!

لذا فليكن بيتك ذا أساسات قوية لا تهزها رياح الانفعالات المتقلبة، وليكن جوهرك ماساً لا تخدشه توافه الكلمات، كن أنت المنزل المضياف.

أمطري أيتها السماء! فسنتقن الرقص في عواصفك وبزوغ شمسك.

* "مع تساقط المطر تعلمت أن أنمو من جديد". (جيمي نياكورا)