لا يمكن وصف التعديل التشريعي في القانون رقم 12 لسنة 2019، بشأن مد ميعاد الطعن بالتمييز إلى 60 يوماً بدلاً من 30، إلا بالفضيحة التشريعية التي دعت المجلس إلى إصدار هذا القانون، الذي من شأنه تأخير الفصل في الدعاوى القضائية أمام المحاكم، ولاسيما القضايا التجارية، التي بطبيعتها تستلزم فصلاً سريعاً لموضوعاتها لا مزيداً من التأخير والتعقيد لها!

وبدلاً من أن يأتي المشرع ويتخذ من الخطوات والإجراءات التي تستعجل الفصل في الدعاوى القضائية أمام المحاكم وخصوصاً المعروضة أمام محكمة التمييز، التي ارتفعت أعداد المتراكمة منها إلى 30 ألف طعن بحسب إحصائيات وزارة العدل الرسمية، اتخذ إجراءات ستزيد أعداد تلك الطعون إلى الضعف وستؤدي إلى التأخير في الفصل بتلك الطعون سنوات إضافية، وترك المشكلة الأساسية!

Ad

الفضيحة التي ارتكبها المجلس في إصداره هذا القانون تكشفها المذكرة الإيضاحية، بأن دوافع التعديل ترجع إلى أن «الأحكام التي تصدرها محكمة الاستئناف تأخذ وقتاً طويلاً في طباعتها ومراجعتها وإجراءات تسليمها إلى الخصوم»، ومن ثم فإن الدوافع التي ابتغاها المشرع من أجل إصدار هذا التعديل سببها تأخير عملية الطباعة، رغم أنه سيتسبب في تعطيل الفصل بالدعاوى القضائية وإصدار الأحكام أشهراً وربما سنوات بسبب تراكم الطعون أمام محكمة التمييز!

وبدلاً من أن ينازع مجلس الأمة السلطة التنفيذية ويحاسبها على قضية التأخير في طباعة الأحكام القضائية ويثير مسؤوليتها، ساير مشاكلها الإدارية والتمس لها الأعذار، بل وأصدر لها تشريعاً يبارك عيوبها الإدارية التي ساهمت وتساهم في تعطيل مصالح المتقاضين، وتأخير نيل حقوقهم المتداولة عبر سنوات أمام القضاء!

ولم يدرك المشرع أنه بإقراره هذا التعديل، الذي يشمل كل القضايا العمالية والإدارية والتجارية والمدنية، سيعمل على تأخير فصل القضاء في تلك الدعاوى القضائية، بل سيكون مبرراً أيضاً لعدم تحريك ملفات الدعاوى أمام محكمة التمييز إلا بعد انقضاء مدة الـ 60 يوماً المحددة كميعاد لنظر الطعن، وهي، للأسف، مدة طويلة، ساهم في تحريكها نواب قانونيون يفترض بهم أن يساهموا في تطوير المنظومة القضائية، وإيجاد حلول لتحريك عجلة العمل بها، وإعادة النظر في طرق الطعن بالتمييز لكل القضايا، وتحديد مواعيد للنظر والفصل فيها بدلاً من الاستعجال في هذا التشريع الذي يقوم على أسباب إدارية هشة لا علاقة لها بالتطوير، ولا تساهم في معالجة الخلل الإداري الذي تعيشه!

قضية طباعة الأحكام القضائية لا تستدعي وقتاً من اللجان والمجلس لإصدار تشريع بشأنها، فهي قضية إدارية محضة تتطلب خطوات إدارية من وزارة العدل لمعالجتها وإزالة الخلل الواقع بها، فبدلاً من أن يكون عدد الطباعين 100 تتم زيادتهم إلى الضعف، وتتم زيادتهم مع زيادة أعداد الأحكام الصادرة في كل دوائر محكمة الاستئناف؛ لأن القبول بتأخيرها سيساهم في المستقبل بزيادة مدة الطعن إلى 70 يوماً، وهكذا، وعندها سيكون التشريع أسيراً للواقع العملي الإداري المتعثر ورهينة له!

عندما رفع المجلس قبل عام ونصف العام مدة الطعن بالتمييز في القضايا الجزائية إلى 60 يوماً بدلاً من 30، ورغم أنها مدة طويلة، فإن هناك محكومين بالإمكان أن يستفيدوا من هذا التشريع، لكن المسائل الجزائية قد ترتبط بحقوق الأفراد وحرياتهم، وكلما ارتفعت الضمانات كان مقبولاً النص عليها، ماداموا قد يتعرضون للحبس والغرامة كجزاء، إلا أن الأمر مختلف في القضايا المدنية بأنواعها، فالغاية من تعديل التشريع يعود إلى التأخير في طباعة الأحكام، وهو أمر اداري من الممكن تداركه، ولا يقبل مجاراته بالتشريعات!