أكدت محكمة التمييز الجزائية في حكم بارز لها أن مشاهدة الأشخاص بحالة غير طبيعية لا يبرر لأي ضابط القبض عليهم أو تفتيشهم، لأن ظهور علامات غير طبيعية على الأشخاص لا يعني توافر حالة التلبس، التي تسمح للضابط بالقبض عليهم او تفتيشهم.

ولفتت «التمييز»، في حيثيات حكمها الذي أصدرته برئاسة المستشار صالح المريشد، إلى استناد الحكم المطعون عليه الى سلامة القبض على المتهمين لوجودهما بحالة غير طبيعية، دون بيان ماهية هذه الحالة وما إذا كان الطاعنان ارتكبا جريمة تبيح القبض والتفتيش، ودورهما فيها قبل القبض عليهما.

Ad

الشرطة

وبينت أن ما أورده الحكم من قول رجل الشرطة انه شاهد الطاعنين بحالة غير طبيعية وإبصاره بين المقعدين الاماميين للسيارة عدة أكياس شفافة بها مادة بيضاء اللون وقرصين مشتبه فيهما مردود بأن مجرد مشاهدة الطاعنين في حالة غير طبيعية لا يوفر حالة التلبس، خاصة أن ضابط الواقعة لم يتبين منهما ما بداخل الاكياس ولم يحدد سبب اشتباهه فيهما، كما لم يزعم أن الطاعنين قد حددا له نوع الاقراص وسبب حيازتهما، إذ ليس من شأن توافر المظاهر الخارجية أن تنبئ بذاتها عن وقوع جريمة حيازة وإحراز مؤثر عقلي بقصد التعاطي، وتقوم بها حالة الجريمة المشهودة التي تبيح لرجل الشرطة القبض والتفتيش بغير إذن من النيابة العامة، أو تتوافر الادلة القوية على الاتهام بجناية، ومن ثم فإن ما أجراه الضابط من تفتيش للطاعنين على هذا النحو يكون قد وقع باطلا، ومن شان ذلك بطلان كل اجراء ترتب عليه.

باطل

وأضافت المحكمة أن القاعدة في القانون أن ما بني على الباطل فهو باطل، وإن البطلان يستطيل الى الدليل المستمد من هذا الاجراء المتمثل في اقوال رجل الشرطة- ضابط الواقعة- فلا يعتد بشهادته عما قام به من اجراءات باطلة ومنها ايضا عرض الطاعنين على الادلة الجنائية لاخذ عينة من بولهما لتحليلها، وما اسفر عنه من ادلة، باعتبار ذلك من ضروب التفتيش ومترتب على القبض الباطل.

وبينت: وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وسوغ هذه الاجراءات وعول في قضائه بإدانة الطاعنين، ضمن ما عول عليه، على الأدلة المترتبة عليها، فإنه يكون معيبا بالفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب تمييزه للطاعنين والمحكوم عليه الآخر، والذي كان طرفا في الخصومة الاستئنافية، وذلك لاتصال وجه النعي به ووحدة الواقعة وحسن سير العدالة، وذلك بغير حاجة الى بحث باقي اوجه الطعن المقدمة من الطاعنين.

وذكرت المحكمة أن موضوع استئناف النيابة العامة صالح للفصل فيه، وحيث انه متى كان ما تقدم وكانت هذه المحكمة قد خلصت الى بطلان اجراءات القبض على المتهمين الثلاثة وتفتيش السيارة التي كانوا يستقلونها واستبعدت الادلة المستمدة من هذه الإجراءات الباطلة، ومنها اقوال ضابط الواقعة، وما خلص إليه الدليل المستمد من تقرير التحليل، وإذ انكر المتهمون الاتهام المنسوب إليهم وكانت الأوراق من بعد قد جاءت خلوا من أي دليل يمكن التعويل عليه في إدانة المتهمين بما نسب اليهم من اتهام، واذ خلص الحكم المستأنف الى ذلك وقضى ببراءة المتهمين من الاتهام المسند اليهم ومصادرة المضبوطات فان قضاءه بذلك يكون سليما ويضحى استئناف النيابة العامة بصدده على غير أساس متعينا رفضه موضوعا، وتأييد الحكم المستانف فيما قضى به من براءة المتهمين جميعا.

استيقاف

وترجع وقائع القضية إلى قيام ضابط الشرطة اثناء مروره بشارع سالم المبارك لأداء مهام عمله باستيقاف السيارة التي كان بها المتهمون الثلاثة، وكان الاول والثاني بحسب اقوال الضابط بحالة غير طبيعية، ثم شاهد بين المقعدين الأماميين كيسا أبيض بداخله مادة بيضاء وقرصان، وبتفتيش المتهمين احترازيا عثر في جيب بنطال المتهم الثاني على انبوب بلاستيك به آثار تحتوي على مادة الهيرويين، وأقر له المتهم الاول بملكيته للأكياس المضبوطة، الا ان المتهمين انكروا التهم امام النيابة العامة، وتمسكوا ببطلان اجراءات القبض عليهم والتفتيش الذي أجراه الضابط من دون اذن من النيابة.