بينما كانت بعض الشخصيات البارزة تردد على المسرح بعض عبارات الأسف المستهلكة التقليدية المهذبة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، صاح صوت ألماني قوي من ورائي: «سأحتفل... سأحتفل عندما تنتهي هذه المسألة».

بعدما أمضيتُ أسبوعاً في الحديث مع السياسيين والمسؤولين وصانعي الآراء في القارة، استنتجتُ أن هذا يعكس الجو السائد بين شركاء بريطانيا الأوروبيين المستائين، الذين يزدادون تنديداً: «اسعوا إلى إتمام المفاوضات وإنجاز اتفاق الانسحاب وإخراج بريطانيا من الباب لنتمكن بعدئذٍ من العودة إلى خوض معارك أوروبا الفعلية، بدءاً من الانتخابات الأوروبية».

Ad

صحيح أنني أتفهم كل المشاعر والحسابات التي تقف وراء وجهة النظر هذه، إلا أنني أعتبرها قصيرة النظر، فتشكّل وجهة نظر مماثلة تخلياً عمن يناضلون منا في سبيل أوروبا في بريطانيا، وتقلل من شأن الدور الذي يؤديه الاتحاد الأوروبي بحد ذاته في تحديد مستقبل بريطانيا، إذ يعتمد بلد منقسم يمر بانهيار عصبي جماعي إلى حد كبير على رد فعل شريكه في المفاوضات، الاتحاد الأوروبي، الذي صار اليوم أكثر قوة.

ويوضح هذا أسباب حرص وسائل الإعلام البريطانية على تغطية كل تغريدة من دونالد توسك، وكل تلميح من جان كلود يونكر، وكل إشارة من ميشال بارنييه باهتمام يقارب الاهتمام العقائدي السوفياتي، فالاتحاد الأوروبي لاعب مهم في المناظرة البريطانية لا مجرد متفاعل معها.

إذاً، الخلاصة واضحة: لا تواجه بريطانيا وحدها خياراً مهماً بشأن خروجها من الاتحاد الأوروبي، فأمام أوروبا بحد ذاتها خيار كبير.

أكّد لي وزير خارجية أوروبي سابق أن بريطانيا ستعود وهي تجر أذيال الخيبة بعد 10 إلى 15 سنة وأنها سترجو الدول الأوروبية لتعود إلى الاتحاد الأوروبي، لكن هذه الفكرة تعكس سوء قراءة فادحاً للشخصية البريطانية، وما سيكون مصير الاتحاد الأوروبي نفسه مع إحداث خروج بريطانيا خللاً في التوازن الدقيق بين شمال أوروبا وجنوبها وفرضه المزيد من المطالب على دولة ألمانية غير مستعدة لقيادة القارة؟

يشمل الخطأ الأساسي الثاني اعتقاد أن من الضروري إبعاد الاتحاد الأوروبي عن المسألة البريطانية كي يتمكن من خوض حرب جيدة في سبيل الدفاع عن القيم الأوروبية ضد القوميين الشعبويين في الانتخابات الأوروبية، ويغفل هذا الطرح بالكامل عن واقع أن (كما كانت الحال عام 1940) معركة أوروبا ومعركة بريطانيا واحدة. لا نرى أوروبيين أخياراً في أحد جانبَي القناة الإنكليزية وأوروبيين أشراراً في الجانب الآخر، على العكس، إنها معركة المؤيدين ضد المعارضين على كلا جانبي القناة، ويجب ألا نخدع أنفسنا ونفكّر في أن أفضل الأوروبيين المؤيدين للوحدة وأشجعهم يتجمعون كلهم في بروكسل.

لنتأمل في مثال مانفريد ويبر، سياسي يفتقر إلى البريق ينتمي إلى مجموعة حاكمة صغيرة، والذي يشكّل اليوم مرشح حزب الشعب الأوروبي لرئاسة المفوضية الأوروبية، ولكن بغية تحقيق أفضلية سياسية-حزبية، يبقي ويبر راهناً ضمن مجموعة حزب الشعب الأوروبي حزب فيدس بقيادة الزعيم الشعبوي الوطني الهنغاري فيكتور أوربان، الذي فكك الديمقراطية الليبرالية في إحدى دول الاتحاد الأوروبي، وطرد أفضل جامعة في أوروبا الوسطى، وقاد حملة معادية للسامية تضمنت رسائل مبطنة ضد جورج سوروس، وأطلق أخيراً صورة مضلِّلة تسخر من يونكر، الرئيس الحالي للمفوضية الأوروبية، إلى جانب سوروس.

أما فيما يتعلق بمسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحد ذاتها، فيعتمد الخيار الأوروبي على تمديد المادة الخمسين، فالتمديد القصير، الذي بات محتماً اليوم، يساعد وحده تيريزا ماي في تعزيز ضغط ابتزاز «صفقتي أو لا صفقة» على النواب المترددين، ومع القليل من المساعدة من بروكسل قد تنجح أخيراً.

ولكن وحده التمديد الأطول لتسعة أشهر أو ربما سنة، الذي يعني معالجة تلك المسألة الصعبة عن تمثيل بريطانيا في البرلمان الأوروبي الجديد منذ البداية، يسمح بخوض مناظرة وطنية حقيقية تقود إلى استفتاء ثانٍ وتطرح احتمالات جديدة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

قد يبدو هذا أشبه بكابوس بالنسبة إلى البعض، إلا أن هذه مشقة قصيرة الأمد تقود إلى مكسب طويل الأمد. على نطاق أوسع، ينبغي لأوروبا أن تختار بين استرضاء المناهضين للوحدة الأوروبية، سواء من خلال إبقاء فيدس داخل مجموعة حزب الشعب الأوروبي أو دفع ماي إلى الرضوخ لمؤيدي خروج بريطانيا اليمينيين المتشددين، وبين الوقوف إلى جانب مَن ما زالوا يناضلون في سبيل أوروبا، بغض النظر عن مكان وجودهم على جانبي القناة، ولا يُعتبر الاسترضاء بالتأكيد خياراً جيداً.

* بروفيسور متخصص في الدراسات الأوروبية في جامعة أكسفورد وزميل بارز في معهد هوفر في جامعة ستانفورد.

* تيموثي غارتون آش