خلال فترة عملي بالتدريس في إحدى المدارس المشهورة بالكويت، كنت مشرفا طوال 8 سنوات على الإذاعة المدرسية الصباحية، وأقدم في نهاية البرنامج اليومي الإذاعي فقرة بعنوان "سؤال وعصير"، أوجه خلالها سؤالا للتلاميذ في المعلومات الثقافية والعامة، وتكون جائزة صاحب الإجابة الصحيحة من التلاميذ علبة عصير. كانت الأسئلة في متناول التلاميذ الصغار، مثلا عن الأنبياء عليهم السلام، وأشهر الصحابة، وأعلام الفكر والثقافة، وعواصم الدول... وهكذا. كان التلاميذ ينتظرون هذه الفقرة يوميا، طمعاً في نيل "الجائزة"، وبالطبع كانت هناك مواقف طريفة في إجابات التلاميذ نرصد هنا بعضا منها.

كان السؤال في أحد الشهور عن أشهر السيدات في ثقافتنا المعرفية والدينية، وطلبت من التلاميذ التأدب عند ذكر الإجابة، بذكر لقب "السيدة" قبل نطق الاسم، مثل السيدة خديجة، السيدة بنت الشاطئ، وهكذا.

Ad

وذات صباح سألت: من هي "حمّالة الحطب"، وكانت الإجابة المطلوبة هي "زوجة أبي لهب"، لكن تلميذا أخذ يهتف رافعا يده للإجابة، وجاء مسرعا، وأمسك "المايك" صائحا: "السيدة أم لهب"!!

***

في شهر آخر، كان السؤال عن الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، وسألت عن النبي الذي كان يعمل خياطاً، وهو بالطبع سيدنا إدريس عليه السلام، وبعد إلقاء السؤال ساد صمتٌ لبرهة، ويبدو أن أحد الزملاء من المدرسين أشفق على تلاميذه، فـ"غششهم" الإجابة بصوت هامس، فجاءني تلميذ يمرق كالسهم، وهتف في المايك "سيدنا إبليس"!!

***

وذات صباح سألت السؤال اليومي المعتاد، وصاح التلاميذ رافعين أياديهم، طالبين الإجابة، فاخترت واحدا منهم، وبعد أن تكبّد عناء الجري من مكان وقوفه في طابور الصباح حتى وصل إلى حيث أقف، أمسك "المايك"، ووضعه على فمه، لكنه لم "ينبس ببنت شفة"، ويبدو أنه تلعثم وهربت منه الإجابة، فصحت في المايك: "الله"، جميل، لكن الإجابة غير صحيحة، مطالبا التلاميذ بالتصفيق لزميلهم، وذلك لإزالة الرهبة والحرج من نفسه!!

***

في هذا الإطار، أتمنى أن يحاول مشرفو الإذاعة المدرسية هنا تشجيع تلاميذ مدارسهم على حب الثقافة والمعلومات العامة بمثل هكذا برامج، تنشر المعلومة والطرفة وتشجع على التنافس الإيجابي في آن. وليت الآباء والأمهات يحرصون على تشجيع أبنائهم وتحفيزهم على النهل من المعلومات الثقافية والمعرفية البسيطة، بمنحهم هدايا بسيطة وتشجيعهم، وذلك لتفتيح مداركهم وغرس حب المعرفة في أنفسهم، خصوصا بعد انغماس الجميع في شياطين العصر المسماة "الهواتف الذكية"، التي شغلت الجميع كبارا وصغارا، مع الأسف.