بعد إعداد مسودة القانون في 2011 سعى أعضاء الفريق إلى إقراره، بزيارة رئيس مجلس الأمة آنذاك، السيد جاسم الخرافي، الذي رحب بالمشروع ووعد بعرضه على مجلس الأمة، إلا أن تكرار حل المجلس وتركيزه حينها على ما يسمى القوانين الشعبية أدى إلى تعطيل عرض القانون عليه.

أثناء ذلك تأسست منظمة الخط الإنساني في 2012، وهي منظمة حقوق إنسان محلية شارك عدد من العاملين على هذا القانون في تأسيسها، وقد حملت المنظمة همّ العديد من الملفات الإنسانية، أبرزها ملف الصحة النفسية، فبدأ العمل على إعداد فيلم وثائقي حول ضرورة إقرار قانون الصحة النفسية، وعرضه في مؤتمر "إدراج خدمات الصحة النفسية في مراكز الرعاية الأولية" في 2013، ونوقش مع أعضاء اللجنة الصحية آنذاك.

Ad

خلال التحضير للفيلم أيقنا أن التغيير لن يحدث إلا بإزالة وصمة المرض النفسي وتغيير الصورة النمطية للأشخاص المصابين باضطرابات نفسية، لذلك أسسنا أول حملة من نوعها في دولة الكويت، "حملة تقبل: الحملة الوطنية للتوعية بالصحة النفسية" في 2014، وهي شراكة بين المنظمة ووزارة الصحة.

تبنت الحملة رؤية غير تقليدية اعتبر كثيرون أنها شبه مستحيلة، إذ ركزت على تحقيق هدفين: أولا، تقبل إمكانية الإصابة بالمرض وإزالة الوصمة المتصلة بها. وثانيا، رفع الوعي بأهمية الصحة النفسية بحيث يدرك الأفراد ضرورة هذا القانون للمجتمع، مما سيوفر دعماً شعبيا مؤثرا في القرار النيابي لمصلحة القانون.

وظفت الحملة طوال السنوات الخمس الماضية مجموعة من الأنشطة التوعوية، منها أول ماراثون مشي للصحة النفسية في المنطقة، وأول فلاش موب للتوعية بالصحة النفسية في 2015، وقدمت محاضرات توعوية لأكثر من 400.000 طالب، بالإضافة للفعاليات العامة التي حظيت بتجاوب كثير من الأفراد الذين شاركوا بتجاربهم الشخصية مع المرض النفسي في فعالياتنا بشكل علني.

وخلال تلك الفترة تحسنت ممارسات مركز الكويت للصحة النفسية شيئا ما، نتيجة تغير الإدارة، إلا أنه كان تغييرا محدودا وعرضة للتراجع، ونتيجة لنجاح جهود حملة "تقبل" في إبراز قضية الصحة النفسية، تبنت مجموعة من النواب مسودة القانون التي قدمت للمجلس سابقا، كما قدمت الحكومة من طرفها مشروعا مختلفا لا يضمن جميع الحريات والحقوق الأساسية للمريض، ولم يُناقش المشروعان بسبب حل المجلس.

أدى تنامي الاهتمام والوعي المجتمعي بأهمية القضية إلى تنشيط العمل المدني، فانطلقت حملة "اسمح لي" في 2017 التي ركزت على حقوق المرضى داخل المركز، كما أطلقت حملات وأنشطة أخرى ساهمت في ترويج القضية، وأثناء تنامي هذا الزخم قام النائب عسكر العنزي بتبني مسودة القانون، مع إضافة تعديلات مقتبسة من المشروع الحكومي وغيرها، لإعادة عرض القانون على المجلس.

وكان اهتمام مجلس الأمة والحكومة بالموضوع كبيرا، وساهم أعضاء اللجنة الصحية وبعض النواب، في تطوير مسودة هذا القانون إيجابيا، ويعود الدور الأكبر في إعادة المسودة إلى روح المشروع الأساسي الذي تقدم به المجتمع المدني وتقديم إضافات قيمة للفريق الحكومي، متمثلا بالدكتور عادل الزايد والدكتور عبدالمحسن الحمود، الذي كان له أثر كبير في تطوير تلك المسودة.

ولضمان مرور القانون أسست جهات من المجتمع المدني، أبرزها منظمة الخط الإنساني وحملة تقبل وحملة اسمح لي والجمعية الطبية، حملة "املأ الفراغ" في 2018، التي أنتجت مواد تعريفية بالقانون وفديوهات للتوعية بقيادة المخرجين حسين الموسوي ومقداد الكوت.

وتواصل متطوعو الحملة بالنواب للحصول على دعمهم، ولقوا منهم تجاوبا كبيرا منهم أدى إلى إقرار القانون بأغلبية كبيرة بعد مداولته الأولى في 8 يناير 2018 مع بعض التعديلات المقترحة من النواب لتطويره.

وفي بادرة إيجابية، استضافت اللجنة الصحية منظمة الخط الإنساني وحملة تقبل وحملة اسمح لي، واستمعت إلى كل ما طرح من آراء بشكل موضوعي، نتج عنه مشروع قانون متكامل للصحة النفسية، لا ينقصه إلا بعض الحقوق التي ارتأت اللجنة أن تنقلها إلى مشروع قانون حقوق المريض، الذي نتمنى أن يرى النور عاجلا. ليس لأي شخص أو جهة أن ينسب فضل إقرار هذا القانون له وحده، فخلال السنوات الثماني التي استغرقها العمل على القانون كان هناك دائما دور محوري يقوم به أحد ما، ولولا جهوده لما رأى القانون النور.

لقد فقد الكثيرون ثقتهم في وجود من يعمل بإخلاص على تحقيق الهدف بدون التكسب الشخصي والسعي للظهور الإعلامي أو سرقة حقوق الآخرين الأدبية، وأدى هذا إلى إحباط الراغبين في التغيير حتى ظنوا أن كل الطرق مغلقة، إلا أن الطريق مفتوح دائما لمن أراد التغيير، حتى لو لم يكن يملك إلا عمله وإصراره، ويظل التعاون الإيجابي والعمل بغرض تحقيق الهدف هو السبيل الأكثر فاعلية في التغيير.