بينما كانت إيران تحتفل بالذكرى السنوية الأربعين للثورة الإسلامية طرحت سياسة المواجهة الأميركية نحو طهران تحدياً حقيقياً أمام النخبة الإيرانية، وخصوصا المعتدلين في تلك الشريحة، وتهدف سياسة الرئيس ترامب في إعادة فرض عقوبات اقتصادية إلى فرض «أقصى ضغط» على إيران بغية إحداث تغيير في سياسة طهران الإقليمية. وبعيداً عن تحقيق أهدافه فإن الأسلوب الأميركي يرجح أن يقوي الأجنحة المحافظة داخل إيران وإعطاء المعتدلين، بمن فيهم الرئيس حسن روحاني، عذراً لعدم العمل باتجاه وعودهم الانتخابية بمنح درجة أكبر من الحرية والسعي وراء إصلاح اقتصادي.

ولا تشكل العقوبات الأميركية السبب الوحيد وراء ضعف الرئيس روحاني الراهن فقد وجد رؤساء إيران على صعيد تاريخي أن سلطتهم تضعف أمام المرشد الأعلى في فترة الرئاسة الثانية، كما أصبحوا أقل تأثيراً من الوجهة السياسية في عمليات اتخاذ القرارات، بحيث تحولوا الى ما يشبه المعلقين السياسيين لا رجال سياسة فاعلين، وكانت هذه فرضية دائمة في إيران منذ عهد الرئيس محمد خاتمي بين سنة 1997 و2005.

Ad

وروحاني اليوم في وضع أسوأ من خاتمي أو محمود أحمدي نجاد في فترة الرئاسة الثانية، فقد شن حملة انتخابية في الأصل عام 2013 على أساس بيان انتخابي معتدل يهدف الى تحقيق تحسينات اقتصادية رئيسة وجذب استثمارات أجنبية غربية ثم أجرى مفاوضات ووقع اتفاقية نووية متعددة الأطراف، وقد تعرضت هذه الاتفاقية الى انتقادات حادة من جانب الأجنحة المحافظة في إيران على اعتبار أنها خطوة غير ضرورية وتنطوي على خطورة في إقامة علاقات أوثق مع الغرب.

تحذير المحافظين لروحاني

وحذر المحافظون الرئيس روحاني بشكل خاص من خطر توقيع اتفاقية مع الولايات المتحدة كما ساعدوا في حجب قدرته على التفاوض مع إدارة باراك أوباما في قضايا أخرى الى جانب البرنامج النووي مثل سياسة إيران الإقليمية وبرنامجها للصواريخ الباليستية وإعادة إقامة علاقات دبلوماسية. وقد أثبت انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الأميركية أن المحافظين كانوا على حق، وأفضى ذلك الى تحويل ميزان القوى الداخلي لمصلحتهم.

وعلى أي حال فإن الضعف السياسي للرئيس روحاني لا يهدد النظام الإيراني الذي يعتمد بصورة متزايدة على أجهزته الأمنية، لا على شرعيته الشعبية من أجل ضمان بقائه، والأكثر من ذلك أن من مصلحة المرشد الأعلى علي خامنئي وأجهزة الأمن وجود رئيس ضعيف لا يتمتع بشعبية ولا يشكل تهديداً لسلطة خامنئي.

سيف ذو حدين

ولكن في حين تعزز العقوبات الأميركية يد الأجنحة المحافظة في إيران فإنها تسهم أيضاً في تفاقم التحديات الحادة في البلاد، كما أن ازدياد التوترات الإقليمية بين إيران وحلفائها من جهة وبين الولايات المتحدة وشركائها في الشرق الأوسط من جهة ثانية تخلق بيئة غير مستقرة، وتجعل من الصعب جداً بالنسبة الى المسؤولين الإيرانيين تطوير اقتصاد البلاد وإصلاحه بطريقة فعالة.

ونتيجة لحالة عدم الاستقرار هذه يجد النظام الإيراني نفسه مضطراً الى الاختيار بين نظام سياسي أكثر ديمقراطية يركز على التطوير الاجتماعي الاقتصادي ونظام مطلق يعتمد على الأجهزة الأمنية، ويركز على استمرار الثورة وبقائها فقط، وأصبح من الصعب بشكل متزايد الحفاظ على الجمهورية الإسلامية في تركيبتها الحالية الهجينة، كما أن العقوبات الأميركية تدفع طهران نحو حكم الملالي. ويضاف الى ذلك أن المزيد من العزلة الدولية سيفضي على الأرجح الى خلق نظام مطلق سياسي بقدر أكثر قمعاً في سياسته الداخلية، وأكثر مغامرة في سياسته الخارجية.

وعلى أي حال فإن نظاماً أكثر راديكالية في الجمهورية الإسلامية سيواجه على الأرجح تحديات أكبر في ارضاء تطلع الإيرانيين الى مزيد من الانفتاح والاستقرار الاقتصادي، كما أن المظاهرات والثورات المطالبة بإصلاح اقتصادي وحرية اجتماعية على غرار ما شهدناه بين ديسمبر 2017 ويناير 2018 استمرت طوال عام 2018 حين استمرت مجموعات من المنشقين في المطالبة العلنية بإصلاحات سياسية واجتماعية. وتهدف العقوبات الأميركية الى تعزيز الاستياء الشعبي في إيران بأمل أن يفضي ذلك الى تغير تصرفات النظام، وفي حين تقوض هذه العقوبات قدرة النظام على الاستجابة الى مطالب الشعب فإن الخطر الحقيقي والوشيك بقدر أكبر بالنسبة الى إيران ليست سياسة ادارة الرئيس ترامب نفسها بل الأزمات المتعددة الاجتماعية والبيئية والسياسية والاقتصادية التي فشل النظام في ايجاد حلول لها منذ عام 1979.

نظرة البنك الدولي

في غضون ذلك أعرب البنك الدولي عن اعتقاده بأن إعادة فرض العقوبات الأميركية ستدفع الاقتصاد الإيراني الى ركود، وأن تقديرات البنك تشير الى انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.6 في المئة خلال 2018-2019 و3.7 في المئة في 2019-2020 وأن يصل معدل التضخم الى 20 في المئة في 2018 و30 الى 40 في المئة في 2019، ويرجع ذلك بشكل رئيس الى ارتفاع تكلفة الاستيراد. وهذا القلق مثير، لأن استقرار التضخم عند نحو 10 في المئة كان أحد عوامل نجاح روحاني الرئيسة في فترة رئاسته الأولى.

وعلى الرغم من ذلك، فإن من غير المحتمل أن تغير هذه الظروف والأوضاع من تصرفات نظام طهران الاقليمية المدفوعة ليس بعقلانية اقتصادية، بل بعوامل عقائدية مثل الرغبة في تصدير الثورة الإسلامية والدفاع عن القيم التي وضعها مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني.

وتوفر طهران نحو 700 مليون دولار سنوياً لحزب الله في لبنان على شكل مساعدات و100 مليون دولار في السنة لحركة حماس الفلسطينية، ولن تؤثر العقوبات الأميركية على تغيير هذا الدعم، وبدلاً من ذلك جاء رد النظام الإيراني على تلك العقوبات عبر التشديد على سياسات عقائدية ومحافظة بقدر أكبر وتوسيع مشاركته الإقليمية بصورة جلية.

السياسة البراغماتية

لا تزال سياسة إيران الخارجية تعتمد على تفاهم براغماتي مع روسيا والصين والبحث عن صيغة مع الدول الأوروبية تهدف الى الحد من التأثيرات السلبية للعلاقات العدائية بين طهران وواشنطن، وعلى أي حال وضعت التوترات التي أحدثتها إدارة ترامب الدول الأوروبية في وضع غير مريح لأن انسحاب الكثير من الشركات الأوروبية الخاصة من الأسواق الإيرانية أدى الى هبوط بنسبة 60 في المئة في التجارة الثنائية بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي. ومن شأن انهاء البديل الأوروبي تسريع توجه الجمهورية الإسلامية التدريجي نحو منطقة نفوذ الاقتصاد الصيني الذي بدأ في حقبة الـ2000 مع تطبيق العقوبات التي أقرتها إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، كما أن الصين تعزز أيضاً تعاونها مع إيران في مناطق استراتيجية مثل الطاقة والقطاعات النووية والعسكرية.

وقد تأثرت علاقات إيران مع دول إقليمية أخرى أيضاً بسبب العقوبات الأميركية، ولكن ربما ليس بالطريقة التي أرادها ترامب، فعلى سبيل المثال اضطرت دولة قطر الى الاعتماد بقدر أوسع على إيران بسبب الحظر الذي فرض على الدوحة، وقد تضاعفت التجارة غير النفطية بين البلدين خلال الربع الثاني من عام 2018 وحده الى نحو 100 مليون دولار، وتستمر قطر في الاعتماد على المجال الجوي الإيراني في رحلات الخطوط الجوية القطرية وفي عمليات نقل البضائع بين الدولتين.