دخلت بورصة الكويت الأسبوع الماضي عهداً جديداً تمثل في شراء تحالف عدد من الشركات المحلية مع بورصة أثينا لحصة تبلغ 44 في المئة من رأسمال شركة البورصة.

ومع تأكيد أن دخول البورصة عهد الخصخصة يأتي ضمن مجموعة خطوات إصلاحية شهدها السوق المالي منذ سنوات، كاستكمال خطة التطوير ولا سيما بعد تقسيم السوق إلى 3 أسواق فرزت الأسهم وفقاً لمعايير الحجم والسيولة، فضلاً عن ترقية مؤسسة فوتسي راسل للبورصة إلى مؤشر الأسواق الناشئة الثانوية على مرحلتين تضاف إليهما مرحلة ثالثة مرتقبة في مارس المقبل، إلى جانب ترقية ثانية من مؤشر ستاندرد آند بورز في سبتمبر المقبل، والسعي إلى بلوغ مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة في مايو من العام الجاري، وغيرها من الإجراءات التي نجحت البورصة، بالتعاون مع هيئة أسواق المال، فيها، وأخفقت في بعضها، فإن تحديات الخصخصة في السوق أكبر من مجرد تأهل المتنافسين، وإتمام عملية بيع الأسهم في مزايدة على السعر، ودخول البورصة عهد الخصخصة يجعلها أمام تحدي تقديم نموذج نجاح أفضل من تلك النماذج المحدودة في معظم مشاريع وخطط الخصخصة في الكويت.

Ad

فتاريخ الخصخصة في الكويت سجل مستويات محدودة من النجاح في عدد من القطاعات كالاتصالات والمصارف وكذلك بعض الكيانات النفطية، ولا يزال عالقاً في قطاعات أخرى مثل الطيران أو الرياضة، أما على صعيد البنية التحتية، فعلى الأغلب، أن الدولة قبل القطاع الخاص لا تستطيع التعامل مع أبسط تحديات الخصخصة، في حين يواجه أول مشاريع الشراكة مشكلات عميقة بين الملاك والجهات الحكومية، مما قد يفضي إلى فشل هذا النوع المهم من المشاريع.

معيار جودة الخدمة

أما خصخصة سوق المال، ففرص النجاح فيه يفترض أن تكون عالية، لأن شركة البورصة لا تواجه إلا واحداً من معايير نجاح الخصخصة، فهي أولاً لن تعاني عبء توظيف عدد ضخم من العمالة الوطنية، فهذه العمالة موجودة أصلاً قبل الخصخصة، ولطبيعة حجم الشركة، وثانياً لن يترتب عليها ولا على غيرها ضرائب للدولة، وبالتالي فإن نجاحها في مشروع الخصخصة يتعلق بالمعيار الثالث، وهو "جودة الخدمة" أي قدرة الشركة على تطوير السوق من عدة نواح، بعضها يتعلق بالتكنولوجيا والسيولة وبعضها الآخر يرتبط بالشفافية والحوكمة.

ملاحظات ومراجعة

ولعله من المفيد القول إن التحالف الفائز في المزايدة كثيراً ما كانت له ملاحظات على أداء وقرارات مجلس إدارة البورصة "الحالي"، وأعلن ممثلوه فور فوزهم بالمزايدة نيتهم مراجعة هذه القرارات- وهو حق أصيل لهم- التي يرون أنها أضرت بجاذبية السوق وسيولته ورغبة المستثمرين، وخصوصا المحليين، مما يعني أننا قد نشهد عملية غربلة لمجموعة كبيرة من القرارات السابقة، وهنا يجب التفريق بين أمرين، فمراجعة القرارات بين التطوير أو حتى الإلغاء أمر جيد، أما المساس بالإنجازات فهو سلبي، وعلى مَن يمثل القطاع الخاص أن يتوخى عدم الوقوع في ذلك.

تقسيم و«تكات»

فمسائل مثل تقسيم السوق أو تقليص الفجوات السعرية "التكات" في التداولات تظل إيجابية حتى وإن كانت نتائجها غير سريعة، فالأول أفرز نموذجاً أسهل للمستثمرين في تحديد جودة الأسهم، أما الآخر فجاء تلبية لمتطلبات الترقية للمؤشرات الدولية، ولا سيما "فوتسي"، وهنا يجب الانتباه إلى أن أسواق المال مؤسسية في طبيعتها وليست مضاربية، وما يُتخذ من إجراء اليوم تحصد نتائجه غدا، مع العلم أن أسهم السوق الأول التي تمثل 67.6 في المئة من إجمالي القيمة السوقية حازت 77 في المئة من القيمة المتداولة في بورصة الكويت، أما الفروقات السعرية فأفضت إلى إيجاد هامش إيجابي من التداولات، وخصوصاً على الأسهم الأكثر رواجاً في السوق الرئيسي.

تغيير وتطوير وتفاهم

ربما يتساءل البعض: هل يعني هذا عدم اتخاذ أي إجراء أو تعديل في السوق؟ بالطبع لا... فالتغيير جزء من منظومة أي سوق مالي، لكنه من المهم أن يرتبط بالتطوير، وهنا يمكن فهم مثلاً أن تكون شركة البورصة الجديدة أكثر توافقاً مع مكونات السوق، بما في ذلك اتحاد شركات الاستثمار، الذي عارض رفع رسوم الإدارج في البورصة، أو اتخاذ إجراءات تجعل الانتقال إلى سوق المزادات خياراً أكثر منه عقوبة عبر زيادة مدة التداول فيه، وإعادة تشغيل الأدوات المالية المألوفة في السوق مثل "الأجل" قبل التوسع في الأدوات المعقدة كالبيع على المكشوف وإقراض واقتراض الأسهم والصناديق العقارية (ريت) ونظام الريبو، فإن هذه الأدوات مع إيجابياتها وضرورتها على المدى الطويل ليس بالضرورة أن تكون كلها واضحة وسهلة التعامل، وخصوصاً مع طغيان التداول الفردي مقابل المؤسسي... فضلاً عن ضرورة مراجعة الانحراف الحاصل في نظم الصفقات الخاصة لتعود كما كانت للحصص دون الـ5 في المئة لتحقيق العدالة للمساهمين.

معالجة السيولة

كذلك من أهم مسؤوليات شركة البورصة واهتماماتها المستقبلية معالجة أزمة السوق، المتمثلة في سيولته قيمة واتجاهاً... إذ إن متوسط تعاملات البورصة في عام 2018 لم يتجاوز 22 مليون دينار لليوم الواحد، أما حصول السوق الرئيسي، الذي تندرج فيه معظم شركات البورصة، على أقل من ربع التعاملات، وفي حقيقة الأمر معظم هذه السيولة تتجه إلى أقل من 10 أسهم، فذلك بحاجة إلى معالجة أكبر، وخصوصاً أن هناك العديد من شركات السوق الرئيسي عديمة التداول، تشغيلية، وتوزع سنوياً عوائد نقدية، وأكثرها يتداول دون القيمتين الدفترية والاسمية، مما يعني- بالنسبة إلى حجم السيولة واتجاهها- أن البورصة تحتاج إلى تسويق أكبر، وخصوصاً تجاه شريحة أساسية من أموال القطاع الخاص المجمدة في الودائع ذات العوائد المحدودة، للعودة إلى البورصة، والتي فاقت اليوم 36 مليار دينار، مع أهمية جذب الشركات التشغيلية والعائلية الناجحة للبورصة، والتي لم يستقطب منها خلال السنوات الاربع الماضية إلا شركتا ميزان والمتكاملة.

رُخَص التوصيات

ومع أن إصدار رخص التوصيات ليست مرتبطة بصميم عمل البورصة، فإنه مطلوب منها لرفع درجة المهنية في السوق، التنسيق مع هيئة أسواق المال لوضع حد لفوضى التوصيات ونصائح البيع والشراء وأسعار الأسهم المستهدفة التي ارتفعت وتيرتها أخيراً ومعظمها من شركات خارج الكويت، بعضها يظهر في توصية لمرة واحدة ثم يختفي، مما يسبب لغطاً في السوق وربكة للمساهمين، وهنا يمكن أن يتم الترخيص لمجموعة معلنة من الشركات ذات الخبرة والشفافية والمهنية الموثوقة في إصدار التوصيات والتحليلات، على أن يكون المستثمر بعدها مسؤولاً إن اعتمد على توصيات جهات غير مرخصة.

رقابة الهيئة وإشرافها

في الحديث عن شركة البورصة يمكن قول الكثير من الاقتراحات والتحليلات، لكن المهم اليوم أن تقدم هذه الشركة نموذجاً ناجحاً للخصخصة، وعدم اعتبارها مجرد بيع للأصول من القطاع العام للخاص، وأن يكون أداؤها مرتبطاً بجودة الخدمة للمتعاملين في بلد قلما تنجح الشركات فيه بتجارب الخصخصة، وهو التحدي الأساسي أمامها، كما يجب على هيئة أسواق المال أن تستمر في أداء دورها المعهود في الرقابة والإشراف، ولا تعتبر تطبيق القانون على المتلاعبين تخريباً للسوق، وهو في حقيقته أصل الثقة وعنوان الكفاءة لأي سوق مالي.