في الوقت الذي ترتفع الدعوات المطالبة بفتح باب القيد في الجداول الانتخابية، والذي يتم وفق القانون من شهر فبراير من كل عام، ارتأت وزارة الداخلية، ممثلة بإدارة الانتخاب، هذا العام الالتزام بأحكام الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من قانون الانتخاب، وبعدم فتح باب القيود الانتخابية لوجود انتخابات تكميلية في الدائرتين الانتخابيتين الثانية والثالثة، والتي سيتم إجراؤها في 16 من مارس المقبل.

ورغم تطور تلك المطالبات الى اللجوء للقضاء، للمطالبة بفتح باب القيد الانتخابي بذريعة حرمان من بلغوا سن الـ21 من القيد في العملية الانتخابية، فإن عددا من رافعي الدعاوى القضائية هم بالأساس مقيدون في جداول الناخبين، وبالتالي لا مصلحة تعود عليهم من رفع الدعاوى القضائية المقامة، ومن باب أولى أن تكون تلك الدعاوى باسم المحرومين ومن بلغوا سن الـ21 عاما ويرغبون في القيد، وتنطبق عليهم أحكام المادتين الأولى والثانية من قانون الانتخاب، حتى تقف تلك الدعاوى على رجليها من صفة ومصلحة.

Ad

والأمر الثاني الذي يثار فيه الخلط، هو أن الحكم الأخير من المادة الثامنة من قانون الانتخاب، التي تنص على أنه «لا يجوز إجراء أي تعديل في الجدول بعد صدور مرسوم دعوة الناخبين للانتخاب»، يقصد بها مرسوم الدعوة إلى الانتخاب فقط، وليس قرارا صادرا من وزير الداخلية بإجراء الانتخابات التكميلية، وبما أن الدعوة إلى الانتخابات التكميلية تمت بقرار صادر من وزير الداخلية، فمن ثم لا يمكن الاستناد الى حكم المادة الثامنة من قانون الانتخاب.

فهم قاصر

والفهم لحكم الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة على النحو السابق قاصر، وذلك لأنه لا يمكن قراءة حكم المادة الثامنة من دون قراءة حكم المادة 18 من ذات القانون، والتي تنص على أنه «يحدد ميعاد الانتخابات العامة بمرسوم، ويحدد ميعاد الانتخابات التكميلية بقرار من وزير الداخلية، ويجب أن ينشر المرسوم أو القرار قبل التاريخ المحدد للانتخابات بشهر على الأقل»، ولما كانت الانتخابات التي من أجلها أوقفت الجداول هي انتخابات تكميلية، فهي التي تصدر بقرار من وزير الداخلية، وليست بمرسوم، بخلاف الانتخابات العامة التي تجرى عقب انتهاء مدة المجلس بانتهاء مدته أو بحله.

ومن ثم، فإن صدور قرار بالدعوة إلى الانتخابات بقرار أو بمرسوم لن يغيّر من حقيقة اننا أمام انتخابات مقبلة عامة أو تكميلية، وتكون علّة عدم المساس بالجداول الانتخابية واحدة، وهي عدم القيام بأي إجراءات بالإضافة أو الحذف أو النقل على الجداول بعد صدور مرسوم الدعوة إلى الانتخابات أو صدور قرار من وزير الداخلية بإجراء الانتخابات التكميلية، وذلك لأن فتح باب القيد بالجداول الانتخابية قد يستغرق وقت انعقاد الانتخابات، ولا تستقيم الحال للقيام بالأمرين معا بفتح القيد الانتخابي وإجراء الانتخابات، وذلك لأن مجرد تقديم الأوراق للتسجيل في القيد الانتخابي لا يعني القبول فورا بقيد المتقدم في جدول الناخبين، وإنما قيده يتحقق بعد اجتياز طلبه للإجراءات المقررة من نشر الأسماء وتجاوز الاعتراض ومواعيد الطعون، وهي إجراءات أشارت اليها احكام قانون الانتخاب، وتنتهي إما برفض طلب المتقدم أو باكتسابه مركزا قانونيا بعد تحصنه من كل أشكال الطعن، وهو أمور لن تتحقق إلا بعد انقضاء المواعيد المقررة للاعتراض والطعن.

كلٌّ لا يتجزأ

أما القول بأنه كان يتعين إعمال أحكام المادة الثامنة بوقف العمل بالجداول الانتخابية في الدائرتين الثانية والثالثة، المُجرى بهما العملية الانتخابية المقبلة فقط دون بقية الدوائر، فإن هذا القول وإن كان له منطق من باب إثارته، إلا أنه يصطدم مع أحكام قانون الانتخاب، التي تتضمن تحديدا للإجراءات والمواعيد التي تنفتح بمجرد الإعلان عن فتح باب القيد في الجداول الانتخابية، وعندها سيسمح بالنقل والإضافة والحذف، ومن ثم فإن الإضافة والحذف والنقل لا يمكن قصره على الدوائر الأولى والرابعة والخامسة، لخلو أحكام القانون من تلك المسألة، ولصعوبة تحقيق ذلك.

كما أن الجداول في كل الدوائر كلٌّ لا يتجزأ، ومن ثم فإن فتح بعضها وإغلاق البعض الآخر سيسمح بالطعن على الجداول الانتخابية التي تصادف فتحها مع الانتخابات التكميلية المقبلة، والتي يتعين من جراء فتحها الانتظار حتى انتهاء مواعيد الطعن عليها بنهاية شهر يونيو المقبل، بغية تطهيرها من كل الاعتراضات والطعون، وهو ما يعني إجراءها عمليا في شهر يوليو المقبل، في حين أن عدم إجراء الانتخابات التكميلية المقبلة خلال شهرين من موعد الإعلان عن خلو المقعد سيدخلنا في نقاش حول جواز عودة العضوين مجددا الى مقعديهما بقوة الدستور، تنفيذا لحكم الفقرة الأخيرة من حكم المادة 107 من الدستور، أو بحل مجلس الأمة لعدم إمكانية إكمال مهامه بوجود 48 نائبا، بعد أن زالت عضوية نائبين، أو للطعن على أعماله أو القوانين التي يصدرها لعدم إكماله حكم المادتين 80 و84 من الدستور!

أمر مبرر

من ثم فإن تطبيق حكم المادة الثامنة من أحكام قانون الانتخاب بوقف العمل بالجدول الانتخابي نتيجة إجراء الانتخابات التكميلية في الدائرتين الانتخابيتين الثانية والثالثة أمر يبرره قانون الانتخاب، لاسيما أن فتحها سيسمح بمد إجراءات للحذف والإضافة والنقل على جداول كل الدوائر الانتخابية، بما فيها الدوائر التي تجرى فيها الانتخابات التكميلية، وهو ما ينهض بدوره سببا كافيا للطعن على العملية الانتخابية المقبلة التي ستجرى في الدائرتين المذكورتين.

كما أن القول بإمكان فتح باب الجداول حاليا لبعض الدوائر والتي لا تجرى بها العملية الانتخابية هو أمر يتعارض مع مبدأ حق المساواة الذي كفله الدستور بحكم المادة 29 منه، وذلك لأن تمكين جزء من الناخبين من القيد الانتخابي ومنع الآخرين منه سيضر العملية الانتخابية المقبلة فيما لو صدر مرسوم بحل مجلس الأمة الحالي، مما سيحدث عدم التوازن بإعداد الناخبين في الدوائر الانتخابية نظير وجود كثافة عالية في بعض الدوائر دون الأخرى لفتح القيد بدوائر دون أخرى، وهو ما يعيب شكل العملية الانتخابية المقبلة.

ترحيل

الأمر الذي يتعين الإشارة اليه هو أن إعمال حكم المادة الثامنة من قانون الانتخاب لا يعني حرمان الانتخاب، بل ترحيل قيد الناخبين الى عام آخر، نتيجة مصادفة العملية الانتخابية مع الشهر الذي تجرى فيه عملية القيد، وهو فبراير من العام المقبل، ومن ثم فإن من سيشارك في عملية الانتخاب المقبلة هم المسجلة أسماؤهم في كشوف الناخبين لعام 2018، والتي تم تحصينها فعليا بعد انتهاء مدد الطعن والاعتراض عليها، فضلا عن أن القول بأن عدم فتح باب القيد هذا العام بما يسمح بالحذف لوجود متوفين أو أشخاص صادرة بحقهم أحكام قضائية قد يضر العملية الانتخابية المقبلة، فهي مهمة الطاعنين المرشحين أو الناخبين أصحاب الصفة والمصلحة بالطعن على الانتخابات التكميلية المقبلة بأن يتربصوا بأسماء الناخبين فاقدي الأهلية ممن يشاركون في التصويت بالانتخابات.

وسبق للمحكمة الدستورية بصفتها محكمة موضوع للطعون الانتخابية أن قررت إبطال العملية الانتخابية التي أجريت في عدد من الدوائر، بعدما ثبتت مشاركة ناخبين لا يحق لهم التصويت في العملية الانتخابية، وقررت المحكمة الدستورية إعادتها، وذلك لأن الفرق بين الطاعن والفائز الأخير هو فرق مؤثر، ومن شأنه أن يرجح الأرقام بين الفائزين بالعملية الانتخابية، وهو ما يعني عمليا أنه إذا ثبت في الانتخابات التكميلية المقبلة تصويت عسكريين أو أشخاص حضروا عن متوفين، أو صادرة بحقهم أحكام بعقوبة جنائية أو مخلة بالشرف والأمانة، وتمنعهم من الانتخاب، وكانت أصوات هؤلاء المصوتين تمثّل الفرق بين الطاعن والفائز بالانتخابات التكميلية، جاز للمحكمة إبطال نتيجة الانتخابات وإجراؤها بعد استبعاد الأسماء المشاركة من قبل إدارة الانتخابات حال ثبوت أن هناك فرق مؤثر بالأساس.