بعد التقلبات التي شهدها شهر ديسمبر، انتعشت الأسواق المالية العالمية في يناير بفضل تغيير الاحتياطي الفدرالي الأميركي سياساته النقدية، والتلميح إلى تبنيه سياسة نقدية تيسيرية وسط آمال في تراجع حدة توترات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وحسب الموجز الاقتصادي الصادر عن بنك الكويت الوطني، ساهمت تلك الأخبار في تعزيز كل من أسعار النفط وبورصة الكويت، مع ارتفاع تلك الأخيرة بنسبة 2.5 في المئة، فيما يعد أفضل أداء شهري للسوق الكويتي منذ يوليو الماضي. وكانت هناك أيضا أنباء إيجابية على صعيد الاقتصاد الكلي المحلي مع تسجيل معدلات التوظيف والنشاط العقاري نمواً قوياً بنهاية العام الماضي، بما يدعم إمكانية تحسن الدوافع الكامنة للنمو تدريجياً. من جهة أخرى، كانت هناك دلالات مهمة من جهة السياسة المالية للحكومة، حيث تشير مسودة الموازنة الحكومية للسنة القادمة إلى تبني سياسة مالية توسعية بما يدعم توقعات النمو على المدى القريب، وإن كان ذلك على حساب ارتفاع مستوى العجز المالي وإمكانية تراجع الاحتياطات للحكومة.
انخفاض إنتاج النفط
ارتفع سعر خام مزيج التصدير الكويتي بنسبة 17 في المئة في يناير، وأنهى الشهر عند مستوى 61 دولارا للبرميل معوضا كل الخسائر التي سجلها في ديسمبر. حيث تلقت أسعار النفط دعماً على خلفية أنباء تشير إلى قيام "أوبك" وحلفائها بإحراز تقدم ملموس في مساعيها لخفض الانتاج بواقع 1.2 مليون برميل يومياً، بهدف التخلص من تخمة الامدادات العالمية. وعلى الرغم من عدم توافر الأرقام الرسمية بعد، فإن البيانات المتوفرة تشير إلى انخفاض إنتاج "أوبك" بواقع مليون برميل يومياً في يناير. كما تشير الأنباء عن قيام السعودية بتخفيض إنتاجها بواقع 0.4 مليون برميل يومياً، فيما يعد أعلى من المستويات المستهدفة. وفي إطار امتثال الكويت لقرارات "أوبك" وحلفائها قامت بخفض انتاجها النفطي بواقع 85 ألف برميل يومياً ليصل إلى 2.72 مليون برميل يومياً، مما سيؤدي إلى تراجع إنتاج النفط الخام بحوالي 1 في المئة في المتوسط هذا العام مقابل ارتفاعه بواقع 1.4 في المئة في عام 2018.سياسة مالية توسعية
قدمت الحكومة مشروع موازنة السنة المالية 2019/2020 إلى مجلس الأمة للتصديق عليه. وتشير الموازنة الجديدة إلى موقف مالي أكثر تيسيراً مع ارتفاع الإنفاق بنسبة 4.7 في المئة على أساس سنوي مقارنة بموازنة العام السابق، حيث بلغت قيمتها 22.5 مليار دينار كويتي في الموازنة الحالية. أما على صعيد المصروفات الإجمالية، تتوقع مسودة الموازنة ارتفاع الإنفاق الرأسمالي بنسبة 0.8 في المئة على أساس سنوي إلى 3.3 مليارات دينار، مع ارتفاع المصروفات الجارية بنسبة 5.3 في المئة إلى 19.2 مليار دينار. ويشمل ارتفاع المصروفات الجارية زيادة بنسبة 7 في المئة في بند الأجور والرواتب، وزيادة بنسبة 11 في المئة في الإنفاق على السلع والخدمات. ويعكس ارتفاع هذا البند الأخير بصفة رئيسية زيادة دعم محطات توليد الكهرباء، نتيجة لارتفاع أسعار النفط (55 دولارا للبرميل مقابل 50 دولارا للبرميل). ومن المتوقع أن ترتفع الإيرادات بنسبة 8.6 في المئة لتصل إلى 16.4 مليار دينار ليصل بذلك العجز إلى 6.1 مليارات دينار قبل استقطاع حصة صندوق الأجيال المستقبلية (و 7.8 مليارا دينار بعد هذا الاستقطاع)، مع الاشارة إلى أن توقعات الحكومة عادة ما تكون متحفظة، ومن المرجح أن يكون وضع الموازنة في نهاية المطاف أقوى من المتوقع.ورغم أن المصروفات تأتي عادة أقل من توقعات مسودة الموازنة، فإنه إذا تم تنفيذ الزيادة المقررة بالكامل فمن شأنها توفير دعم للنمو الاقتصادي في العام المقبل. ومع ذلك، فإنه في غياب تدابير الإصلاح الاقتصادي على صعيد كل من الإيرادات والمصروفات، وبغض النظر عن الاحتياطيات المالية الضخمة للحكومة، فإن زيادة المصروفات الجارية يحد من قدرة الحكومة على التعامل مع الصدمات النفطية في المستقبل. وتشير البيانات الأولية للمالية العامة لفترة الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية 2018/2019 (حتى ديسمبر) إلى أن النتائج المالية قد تكون أفضل من الميزانية. حيث تم تسجيل فائض بقيمة 3.6 مليارات دينار خلال هذه الفترة، حيث كان الإنفاق ضعيفا، في حين ساهم ارتفاع أسعار النفط في تعزيز الايرادات. إلى ذلك، تراجعت المصروفات بنسبة 3.3 في المئة على أساس سنوي مع انخفاض الإنفاق الرأسمالي بنسبة 0.4 في المئة. وذلك، لانخفاض معدل تنفيذ المشروعات المرتبطة بالمصروفات الرأسمالية إلى نسبة 45 في المئة من الإجمالي المخصص للعام كله، مقارنة بنسبته 52 في المئة مسجلة في نفس الفترة من العام الماضي. وعادة ما تتسارع وتيرة المصروفات في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، إلا اننا مازلنا نتوقع تسجيل عجز بسيط للعام كله.معدلات التوظيف
وفقاً للبيانات الرسمية نصف السنوية، سجلت معدلات التوظيف نمواً ملحوظاً خلال عام 2018. حيث ارتفع إجمالي التوظيف بنسبة 4.2 في المئة على أساس سنوي في ديسمبر بدعم من زيادة توظيف المواطنين الكويتيين (+3.7 في المئة على أساس سنوي، أعلى مستوياته منذ سنوات عديدة) والعمالة الوافدة (+4.3 في المئة على أساس سنوي)، مقابل نمو بنسبة 2.4 في المئة في ديسمبر 2017. إلا أن توظيف المواطنين ما يزال الغالب محصوراً في وظائف القطاع العام، والتي ارتفعت بنسبة 4.0 في المئة على أساس سنوي، في حين أن نمو فرص العمالة الوافدة نشأ أساسا نتيجة للتوظيف ضمن قطاعات البناء والعقارات والضيافة.أداء قوي للمبيعات العقارية
أنهى السوق العقاري عام 2018 بأداء قوي. حيث بلغت قيمة المبيعات في ديسمبر 470 مليون دينار، فيما يعد ثاني أعلى مبيعات شهرية يتم تسجيلها في عام 2018، بما يتخطى إلى حد كبير المتوسط الشهري لهذا العام. ويعزى هذا الارتفاع الكبير لتزايد أنشطة القطاعات الفرعية الثلاثة، وإن كان أبرزها القطاع التجاري الذي شهد ارتفاع مبيعاته إلى أعلى مستوى له خلال عامين ببلوغها 127 مليون دينار على خلفية تزايد حجم المبيعات. وقد يكون هذا القطاع قد استفاد من زيادة عدد تراخيص الأعمال التجارية (المشاريع الناشئة) التي صدرت خلال عام 2018 بدعم من تيسير المتطلبات والاجراءات التنظيمية من وزارة التجارة والصناعة. في حين ارتفعت مبيعات الشقق إلى ثاني أعلى معدل لها في أربعة أعوام ونصف العام.