هل يمكن القول إن شخصية «يمنى» في «ما فيّي» ضربة حظّ ونقلة نوعيّة في مسيرتك؟

لم تكن وليدة حظ أبداً، لأن تفوّقي على ذاتي في أداء شخصية «عبير» في مسلسل «طريق» مهّد إزاء بلوغي شخصية «يمنى». كان يمكن التزامي بما كُتب في النصّ وتقديم الدور بمستوى عاديّ جداً، لكننّي ثابرت واجتهدت لرفع مستوى أدائي. تلقّيت هذا الدور بهدف الخروج من شخصية «عبير» وإظهار قدراتي التمثيلية الحقيقية. من جهة أخرى، تعاونت مع المخرجة رشا شربتجي على التدقيق في التفاصيل كافة.

Ad

هل يمكن اعتبار أنك تفوّقت في شخصية «يمنى» على شخصية «عبير»؟

الشخصيتان مختلفتان ولا مجال للمقارنة بينهما. على رغم صعوبة «عبير» التي احتاجت إلى مجهود كثيف، فإن «يمنى» تميّزت بتحديّات أكبر، سواء على صعيد جرأة الأداء أو على صعيد الارتداد النفسي في أثناء التصوير.

يشكّل هذا الدور مفترق طرق على صعيد الخيارات المقبلة.

أنا انتقائية في أدواري أساساً، ومرحلة ما بعد شخصية «يمنى» ستجعلني انتقائية أكثر وتحمّلني مسؤولية أكبر تجاه خياراتي المقبلة، كنتيجة طبيعية لردود الفعل الإيجابية جداً التي تحفّزني لتقديم الأفضل وعدم التراجع عن الأدوار المحورية المشابهة لهذا الدور.

كيف تحضّرت للدور لا سيما أنه يحتاج إلى عناية بأدق التفاصيل؟

قرّرت تقديم هذه الشخصية على أكمل وجه والعناية بأدق تفاصيل الإدمان على الكحول والمخدرات. فالتقيت مدمنين سابقين مستفسرة عن أدقّ تفاصيل الأعراض الجسديّة والنفسيّة، وسبب تدّفق الأنف والحكّة المستمرّة للجسم، والشعور بالاشتعال الداخلي، وذلك لأفهم سبب تصرفاتهم ومعاناتهم، وقمت بأبحاث في هذا الإطار وتابعت وثائقيات خاصة.

لم تكتف إذاً بتعليمات المخرجة بل عملت شخصياً على إعداد الدور.

صحيح، لم أكن أريد الانطلاق بالدور كصفحة بيضاء، بل كنت مستعدّة تماماً ومدركة لما عليّ فعله، فاجتمعت بالمخرجة وشرحت لها التفاصيل المتعلقة بحالة «يمنى» فتعاونا على صقل هذه الشخصية وإظهار التفاصيل في الشكل المناسب.

مريح التعاون والانفتاح في تبادل الرأي ما بين الممثل والمخرج.

فرحت المخرجة بإعدادي للشخصية وجاهزيتي، كما أن ملاحظاتها مهمّة جداً لأننا في أثناء التصوير والاندماج قد لا نلحظ أداءنا فيكون المخرج العين الساهرة. رشا شربتجي مخرجة محترفة دقيقة في العمل وواثقة من نفسها، ما يُشعرني بأنني في أيادٍ أمينة، خصوصاً إذا تفلّتت الشخصية منّي بعد أسبوع استراحة.

إدمان

برأيك يقع دور الإدمان على الكحول والمخدرات في خانة الجرأة في التمثيل؟

هو دور جريء طبعاً، لأن الجرأة لا تقتصر برأيي على التعرّي والفجور، بل اقتناع الجمهور بأن الممثلة والشخصية سيّان. سُئلت مراراً ما إذا كنت مدمنة حقّا. برأيي الظهور كيفما كان إزاء الكاميرا ليس جرأة بل من مقتضيات الأداء، الجرأة هي إظهار الحقيقة والواقعية كما هي بغض النظر عن رأي الجمهور أو شعوره بالاشمئزاز من بعض المشاهد والتصرفات.

كيف تتخلصين من شخصية استحوذت على طاقتك كلها؟

فور الانتهاء من تصوير المسلسل، سافرت للانفصال عن» يمنى» بعدما انعزلت في خلال أشهر التصوير عن العالم الخارجي والأصدقاء مبتعدة عن كل شيء للحفاظ على الشخصية. ليس بإمكان أي ممثل التضحية بحياته لبضعة أشهر لخدمة الدور. ولكن، إن أردت نتيجة جميلة يجب تقديم تضحيات، وإن أردت نتيجة عادية يمكنني استكمال حياتي اليومية بشكل عادي. قررت التضحية لخمسة أشهر من أجل تقديم «يمنى» بشكل منطقي صحيح، بعدها أقوّم الشخصية وأدائي لأرى ما إذا كانت التضحية في مكانها أم لا.

ما دمت قمت بأبحاث عن الإدمان، هل ستسّخرين هذه المعرفة بهدف التوعية؟

بعيداً من التمثيل أنا مهتمّة جداً بعمل الجمعيات والتوعية الاجتماعية، لأن رسالتي تصل أسرع إلى المجتمع كوني وجهاً معروفاً، فكيف بالحريّ بعدما جسّدت حالة الإدمان في دور درامي وأعددت أبحاثاً في هذا الإطار، فاكتشفت مدى معاناة المدمن نفسياً واجتماعياً وجسدياً، لذا أتمنى أن أؤدي دوراً كبيراً في الاهتمام بهذه المواضيع.

على رغم سنيّ خبرتك المتواضعة في التمثيل، تحسنين اختيار أدوارك، كيف حققت ذلك؟

يوّجهني إحساسي نحو خياراتي المهنية، خصوصاً بعدما أدركت طاقتي اللامحدودة. صحيح أنني لم أعطِ انطباعاً بذلك في البداية، فوقعت ببعض التكرار، ولكن عندما نعي طاقتنا وننظر إلى أنفسنا من الخارج نصبح قادرين على تحديد خياراتنا من حيث الرفض والقبول فنكتشف أنفسنا أكثر. لم أكن أتوقّع أنني أتمتع بطاقة تمثيلية كبرى حتّى شاركت في «درب الياسمين» و«طريق».

بين دور بطولة أولى، وآخر بمستوى دور «يمنى»، ماذا تختارين؟

دور بمستوى «يمنى» من دون أي تردد وتفكير.

ألم وجمعية

عانيت في طفولتك من ألم جسدي ونفسي جراء اعوجاج العمود الفقري، فهل استنبطتّ هذا الألم لتجسيد شخصية «يمنى»؟

صحيح، للمرة الأولى يلاحظ أحدهم هذا الأمر. لم أنس أبداً الألم الكبير والمعاناة الجسدية والنفسية بعد الجراحة التي خضتها بقرار شخصي منذ 14 عاماً. سخّرت ذكرى هذا الألم لخدمة دور «يمنى» وتجسيد معاناتها الجسديّة والنفسية.

ما هدف جمعية «انحنى دون أن ينكسر» التي أسستها أخيراً؟

بعد تشكيل الحكومة في لبنان أنتظر الاستحصال على العلم والخبر للمباشرة في نشاطها. هذه الجمعية استكمال للفيلم الوثائقي الذي صوّرته في عام 2012 للتحدث عن تجربتي الشخصية مع حالة اعوجاج العمود الفقري التي عانيتها، ساردة مراحلها بدءاً من وضع ماكنة لتقويم ظهري، وصولاً إلى قراري الشخصي بالخضوع للجراحة ووضع سيخ حديد في ظهري والتخلّي عن المشدّ البلاستيكي. عندما نلت جائزة أفضل فيلم قصير في موناكو شعرت بأن ذلك بمنزلة إلهام بضرورة العمل على التوعية انطلاقاً من موقعي المعروف في المجتمع، داعية إلى ضرورة الخضوع للكشف المبكر، إضافة إلى أنني أسعى من خلال حياتي الشخصية إلى بثّ الأمل في نفوس من يعانون هذه الحالة لتحفيز نشاطهم وإرادة الحياة لديهم. الدعم المعنوي مهم جداً لأنه يحفّز الإرادة والانتصار على هذه الحالة التي تتطلّب نمط حياة معيّناً. إذا شاء الله أسعى في المرحلة المقبلة إلى تأمين المردود المادي لدعم من سيخضع للجراحة لأنها مكلفة جداً.

خلف الوجه الهادئ والملائكي ثمة امرأة حديد.

طبعاً، وهذا الجانب يغلب على الجانب الآخر في شخصيتي.

ألهذا السبب أنت واثقة الخطى ومتحرّرة من المظاهر الجمالية التي تكبّل النجوم عادة؟

اتخاذي شخصياً قرار الخضوع لجراحة في سنّ المراهقة، بمنزلة قرار بالتخلّي عن أمور عدّة، ما صقل شخصيتي. فضلا عن أنني أساساً غير مكترثة بالمظاهر الجمالية الخارجية. إلى ذلك يجب أن يتخلى الممثل عن ذاته ليكون أقرب إلى الجمهور، لذا لا يمكن أن نكون مثاليين بالشكل ومنفصلين عن المجتمع الذي ننتمي إليه. الممثل شخصية معيّنة من المجتمع أو حالة معيّنة، لذا يجب أن يكون قادراً على التخلّي عن المظاهر الخارجية.

«مسألة وقت»

ما تفاصيل شخصيتك في المسلسل اللبناني الكويتي المشترك «مسألة وقت» (تأليف مبارك الفضلي، إخراج غافل فاضل)؟

أؤدي دور فتاة وحيدة، أبوها رفيق علي أحمد. يعود البطل من الكويت إلى لبنان فتربطني به علاقة معيّنة. إنه دور سلس جداً، أكسبني خبرة في السوق الخليجية، خصوصاً أنني من مواليد الكويت وطالما أحببت تقديم عمل خليجي. تمتعت جداً بالعمل مع الممثل القدير رفيق علي أحمد وقد خرجنا مرّات عدّة عن سياق النصّ، فنقلت علاقتي بوالدي الحقيقي إلى الشاشة من خلال علاقتي معه.

ما أهمية الإطلالة على الجمهور الكويتي؟

انتظرت فرصة مناسبة لذلك، بعدما عُرضت عليّ أعمال عدّة، لكنني لم أكن جاهزة حينها. شعرت بأن هذا الدور يشبهني وجميل، فأنا انتميت سنوات كثيرة إلى المجتمع الكويتي لذا لست غريبة أبداً عنه بل ثمة حنين إلى ثقافته وتقاليده.