رغم صيحات الاحتجاج من اليسار، ومؤسسة السياسة الخارجية، والقادة الأوروبيين، وبخلاف تقييمات وكالات الاستخبارات الأميركية المضللة، صار واضحاً اليوم أن قرار ترامب سحب الولايات المتحدة من الصفقة النووية المثيرة للجدل مع إيران لعام 2015 شكّل خطوة صائبة ونجاحاً سياسياً كبيراً.

قبل انسحاب الولايات المتحدة قدّم منتقدو خطة العمل الشاملة المشتركة حججاً قوية عن نقاط ضعف هذا الاتفاق، وخصوصاً رفض إيران السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية دخول مواقعها العسكرية. كان الاستثناء الوحيد قاعدة بارشين العسكرية، التي خضعت لتفتيش ذاتي من الإيرانيين، وهناك اكتشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أدلة على عمل سري يُجرى لتطوير أسلحة نووية، كذلك انتشر عدد من التقارير العالية المصداقية عن خداع الإيرانيين قبل الانسحاب الأميركي من الصفقة، منها تقارير من وكالات الاستخبارات الألمانية، وأثار السيناتورات تيد كروز، وتوم كوتون، وماركو روبيو، وديفيد بيردو مسألة خداع إيران وعدم التزامها بخطة العمل الشاملة المشتركة في رسالة وجههوها في شهر يوليو عام 2017 إلى وزير الخارجية ريكس تيلرسون.

Ad

خلال تقرير الخطر حول العالم الذي قُدّم قبل أيام أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، أفاد المجتمع الاستخباراتي الأميركي أن إيران تلتزم تقنياً بخطة العمل الشاملة المشتركة، علماً أن هذا الاكتشاف يعكس على حد سواء تاريخ المجتمع الاستخباراتي من التحيز الليبرالي عند تقيم أسلحة الدمار الشامل، وإخفاق إدارة ترامب في اتخاذ الخطوات اللازمة لتنظيف مناصب استخباراتية أساسية يشغلها محللون يفضلون السياسات التي اتبعتها إدارة أوباما خلال ولايتها الأخيرة. ولكن منذ انسحاب الولايات المتحدة ازدادت الأدلة بروزاً على ضعف خطة العمل الشاملة المشتركة وخداع إيران، فأخبر مستشار الأمن القومي جون بولتون بنيامين نتنياهو الشهر الماضي: "رغم خروجنا من الصفقة النووية الإيرانية ورغم العقوبات، لنا ملء الثقة بأن القيادة الإيرانية ما زالت ملتزمة استراتيجياً بتطوير أسلحة نووية يمكن إيصالها إلى هدفها".

تشمل الأدلة الجديدة الأخرى على ضعف خطة العمل الشاملة المشتركة وخداع إيران "الأرشيف النووي" الإيراني، وهو مجموعة ضخمة من الوثائق الإيرانية عن برنامجها للأسلحة النووية، وتُظهر هذه الوثائق، التي سرقها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي في مطلع عام 2018، أن إيران في تصريحها عن نشاطاتها المرتبطة بالأسلحة النووية عام 2015 كذبت على الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فتشير الوثائق إلى أن إيران كانت تخطط لبناء خمسة رؤوس نووية صاروخية وأنها شيدت مجمّع أنفاق سرياً تحت الأرض في قاعدة بارشين العسكرية حيث كانت تطور مكونات أسلحة نووية.

في 25 يناير، تحدث مسؤولون فرنسيون عن احتمال فرض عقوبات جديدة على إيران رداً على اختبارها أخيراً صواريخ بالستية تتمتع بقدرة نووية، وتشير بعض التقارير أيضاً إلى أن دولاً أخرى في الاتحاد الأوروبي تفكّر في عقوبات مماثلة، وكشفت إيران عن صاروخها الأحدث، صاروخ حويزة الجوال الذي يبلغ مداه 1300 كليومتر، في الثاني من فبراير. لا تفتقر خطة العمل الشاملة المشتركة إلى بنود تكبح برنامج إيران الصاروخي فحسب، بل أُضعفت أيضاً، خلال المحادثات التي قادت إلى الاتفاق النووي، والعقوبات المتعلقة بالصواريخ التي فرضتها الأمم المتحدة سابقاً على إيران.

أشارت تقارير عدة خلال الأشهر القليلة الماضية إلى أن إيران بدأت نشاطاتها النووية، منها توسيع عملية تعدين اليورانيوم وإنتاجه، مما يتخطى حد ما هو مسموح به بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، كذلك أعلن مسؤول إيراني أخيراً أن إيران تخطط لاستئناف تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 20% إلى يورانيوم 235، ولا شك أن هذه الخطوة تشكّل انتهاكاً مباشراً لخطة العمل الشاملة المشتركة.

يمثل التوصل إلى اتفاق شامل بشأن الخطر الذي تشكّله إيران مع مشاركة كاملة من حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين هدف إدارة ترامب الأكبر، صحيح أن هذا الهدف قد يبدو بعيد المنال خلال الأمد القريب إلى المتوسط إلا أن إعادة فرض عقوبات أميركية على إيران هدف مهم قصير الأمد، سبق أن أثبت نجاحه وسيعزز بالتأكيد الأمن الإقليمي والدولي. ويشكّل قرار ترامب الانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية رغم المعارضة القوية التي واجهها من مؤسسة السياسة الخارجية، والإعلام، والديمقراطيين، والقادة الأوروبيين، ورغم مقاومة المجتمع الاستخباراتي الأميركية وعدد من أعضاء حكومته السابقين، عملا رئاسيا يسمح اليوم للولايات المتحدة والعالم بالتركيز على مجموعة المخاطر بأكملها التي تمثلها إيران من دون أن تكون أيدينا مكبلة باتفاق أوباما النووي الإيراني الذي يعاني عيوباً عميقة جمة.

* «فريد فليتز*»