يتمحور معرض «نحن نحبّ» للرسام التشكيلي اللبناني جورج مطر حول أبعاد ثلاثة متداخلة يربط الحب بينها: رقصة الدراويش، وحرف النون، وكلمة «حب». يسكر المتصوفون حباً في الله، ويسبحون في محيط رحمته، فيما حرف الـ«نون» في شكله الملموس والبصري، يشكل مساحة للحب، والكرم والأمل في القلوب المؤذية، كونه يتضمن مؤشرات رمزية، بما في ذلك العودة إلى الحياة بعد الموت، الفصح والقيامة...

Ad

يمثل حرف الـ «نون» شكل الفلك أو المركب الحاضن بذرة الحب والخصوبة التي تحتوي عناصر كفيلة بإعادة بناء العالم بعد الطوفان. إذا كان الإنسان هو مركز الكون، فالحب هو مركز هذا الإنسان.

مناخات صوفية

حول معرضه الجديد يوضح الفنان جورج مطر: «أرى هذا المعرض تتويجاً لمرحلة فّنية من حياتي، اتخذتُ فيها الطابع والتشكيل الروحي. وبدا ثمة خط انسيابي فّني واضح المعالم في مجمل الأعمال، سواء كانت تشكيلاً أم نحتاً. ربما هذا الخط هو انعكاس لحضوري ضمن مجموعة تبحث عن الله وهي متأثرة بقوة بالصوفية».

يضيف: «أعترف بأن الفّن التشكيلي أخذني إلى مدارات لم أعرفها سابقاً ولكنها كانت مدفونة في داخلي، وأماكن سحرية سكنتها في أزمنة غابرة، خارجة عن الوقت، لا تعرف للعمر معنى، طفولّية لا تشيخ».

يتابع: «هدفي الوحيد على الدوام إرضاء العين لتستريح النفس وتطمئن إلى الوجود المفعم بالحب، فتسمو وتقترب من خالقها بتأمِّل وخشوع، ساعتئذٍ تهدأ الخواطر وتتباطأ الأفكار فيتّحد الماضي والحاضر والمستقبل، وينعدم الزمان وتتفتح براعم حدائق الجنة، وتصبح الطريق سالكة إلى الحق والحب والجمال، الطريق الوحيدة نحو المطلق. عندها فلنلزم الصمت ونتأمل اللوحات»...

نحو المطلق الجمالي

يصف الكاتب حسين أحمد سليم أعمال جورج مطر (في موسوعة الفن التشكيلي اللبناني)، بأنها «أشكال تجريديّة، آتية من عوالم خيالاته، التي تتناهى إلى وجدانه من عوالم الامتدادات، عابقة بأجواء من الفرح والبهجة، والمرتكزة على النّزعات التّزينيّة... هدفه الأسمى إرضاء العين الرّافلة للجمال، لتستريح النّفس وتطمئنّ إلى الوجود، بحيث تسمو وتقترب من خالقها، بتأمّل وخشوع... لتهدأ الخواطر وتتباطأ الأفكار، ويتّحد الماضي بالحاضر والمستقبل، فينعدم الزّمان، وتتفتّح براعم الفراديس، وتصبح كلّ الطّرقات سالكة إلى الحقّ والحبّ والجمال، وهو الطّريق الأوحد نحو المطلق الجمالي...».

يضيف: «جورج نسيب مطر، الفنّان التّشكيلي، ترجم بالرّسم والنّحت تطوّره الرّوحي، وتفتّحت مداركه على التّأمّل والمعرفة والوعي، وعلى ديانات وفلسفات شرقيّة، ليجسّد هذا التّأمّل والانفتاح بمنحوتات راقصة رقصة الدّراويش الصّوفيين، ويعكس ما سكن قرارته بلوحات خشبيّة أشبه بالطّواطم الكشفيّة»...

من الهندسة إلى الرسم

ولد جورج مطر في بيروت عام 1961، وحاز دبلوماً في الهندسة المعمارية عام 1986. بعد مسيرة مهنية في الهندسة المعمارية والبناء امتدت 15 عاماً، قرر عام 2000 أن يكرّس نفسه للرسم والتصميم.

بعد زيارته أحد المعارض، استهواه الفنّ التّشكيلي، فالتحق بمحترف الفنّان حيدر الحموي في بيروت، وتابع دورة تعليميّة فنّيّة، انصرف بعدها إلى شق طريق خاص به في الرسم التشكيلي سخر فيه الخط واللون والمادة ليكتب على المساحة البيضاء أمامه قصائد في الروح والذات تسمو إلى جماليات لا يمكن رؤيتها إلا من خلال شفافية الرؤية ونقاوة القلب وصفاء العقل...