تعد الوثائق العدسانية من أهم الوثائق التي توثق أملاك الكويتيين قبل إنشاء أجهزة حكومية تعنى بذلك، وكان قضاة الكويت من أسرة العدساني الكريمة يقومون بهذه المهمة لما يقارب 200 عام، بدءاً من الربع الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي.

سأحاول في مقال اليوم ومقالات مقبلة تسليط الضوء على بعض الوثائق العدسانية النادرة التي توثق موضوعاً تاريخياً، أو تؤكد معلومات قيمة تستحق الاستعراض.

Ad

لكن قبل أن أبدأ بوثيقة اليوم، أود الإشارة إلى أن أقدم وثيقة عدسانية متوافرة أمامنا، هي التي نشرتها في كتابي (موسوعة الوثائق العدسانية الجزء الأول)، الذي صدر في عام 2014، والتي يعود تاريخها إلى عام 1791م، وهي عبارة عن مبايعة بين محمد بن غانم بن رشود ومحمد بن سليمان بن مديرس.

أما وثيقة اليوم، فهي تعود إلى عام 1276هـ/ 1860م، وفيها وثَّق الشيخ محمد بن عبدالله العدساني مبايعة بين عيسى بن عبدالعزيز القطان وبراك الروقي. الجديد في الوثيقة، والذي يتيح لنا فرصة للبحث أكثر في مفرداتها، هو أن وصف موقع البيت المبيع وردت فيه مفردة "البِدَن"، والتي تنطق وفق ما فهمت من بعض كبار السن بكسر الباء وفتح الدال.

وقد تقصيت في معنى البدن، فوجدت أنها تعني السور الثاني، أو بوابة من بوابات السور الثاني. فإذا صح ذلك، فيمكننا أن نحدد بدقة جيدة موقع البيت والسور المجاور له، وهو أمر مهم لتوثيق أحد المعالم القديمة المهمة في تاريخ الكويت. وإليكم نص الوثيقة:

"الباعث لتحريره هو أنه قد باع براك الروقي من حامل هذا الكتاب عيسى بن عبدالعزيز القطان، وهو أيضاً قد اشترى منه ما هو له إلى حين صدور هذا العقد منه، وذلك بيته المحدود قبلة جسيمة (أرض) البايع وشمالاً الطريق النافذ، وشرقاً بيت عبدالله الصليبي، ويتمه بيت اعيال احسين القروي، وجنوباً البدن بثمن قدره وعدده أربعين ريال. سلم الثمن بتمامه وكماله المشتري المذكور بيد البايع المزبور، فبموجب ما ذكر صار البيت المذكور مالاً وملكاً لعيسى المذكور يتصرف فيه كيف يشاء. حتى لا يخفى حرر في 25 شعبان 1276هـ".

يتبيَّن لنا من الوثيقة أن بيت براك الروقي اشتراه عيسى القطان، وهو بيت يقع جنوباً منه مباشرة البدن أو السور الثاني للكويت، أو إحدى بواباته، أي أن بيت الروقي/القطان القديم يقع داخل السور الثاني.

يبقى للباحثين والمهتمين، وأنا أحدهم، أن نبحث عن موقع بيت الروقي/القطان، لنحدده بشكل دقيق، ونعتبر ما خلفه من ناحية الجنوب هو امتداد سور الكويت الثاني. ولكي أوضح للقراء أين يبدأ السور الثاني، وأين ينتهي بشكل عام، فطبقاً لمعظم المصادر، يبدأ السور الثاني شرقاً من عند إشارة المرور الحالية على شارع الخليج، وبالقرب من ديوانية النصف، ويتجه جنوباً بانحناء، وتكون مقبرة "هلال" خارجه، ويستمر في شكل هلالي منحنٍ، ويمر بدروازة عبدالرزاق، ثم يتجه نحو ساحة الصفاة، لتكون خارجه، ويسير شمالاً بانحناء خفيف، لتكون حديقة البلدية (سابقاً مقبرة الدهلة) خارجه، ويتجه نحو مسجد المديرس الحالي، ليمر من شماله، ثم يتجه إلى البحر من جهة مسجد الخالد الحالي. وإلى لقاء في المقال المقبل مع وثيقة عدسانية أخرى.