احذروا الموسيقى، فالموسيقى من أشد المؤثرات خطرا لأولئك المكسورة قلوبهم، خصوصا "مُحْدثي" الجروح الذين كُسرت قلوبهم للتو، وقد كنت أظن إلى وقت قريب أن كسر القلب هو فقط تعبير "شعبي" لحالة عاطفية تتضمن مزيجاً من الألم والإحباط والخذلان وخيبة الرجاء ومشاعر أخرى لا تقل سلبية وسوءا، إلا أن القلوب تُكسر بالفعل.

العلم أيضا لديه نفس المسمى لهذه الحالة من الوجع، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن كسر القلوب يؤلم بشدة، وكأن شخصا ما ضربك بالفعل بمطرقة على قلبك، وأن حجم الألم العاطفي الذي ينتج عن ذلك كحجم الألم الجسدي، لو أن هذه المطرقة نزلت بكل ثقلها على جزء من جسدك، وله ذات التأثيرات داخل الجسم وذات الفعل على التركيبات الكيمائية على الدماغ.

Ad

ففي اللحظة التي يُكسر فيها قلب يفرز الجسم هرموني الكورتيزول والأدرينالين اللذين يقومان بإظهار كل أنواع الأعراض الجسدية، مثل: الغثيان وصعوبة التنفس وضعف عضلة القلب الذي قد يؤدي للوفاة! ولقد أجرى فريق من الباحثين بجامعة روتغيرس في نيوجرسي تجربة على مجموعة من النساء والرجال كُسرت قلوبهم، نتيجة هجر أحبتهم لهم حديثا، وطلب من المتطوعين أن يدخلوا آلة الرنين المغناطيسي، وأن ينظروا إلى صور أحبتهم السابقين وهم داخل آلة التصوير... كان الأمر أشبه بنوع من التعذيب، لكن النتائج كانت مثيرة للاهتمام في علم الأعصاب حول هؤلاء المكسورة قلوبهم.

فقد أظهر الفحص بالأشعة أن نشاط أدمغتهم كان أشبه بنشاط أدمغة مدمني المخدرات الذين يمرون بفترة الإقلاع عنها، لأن الوقوع في الحب أشبه بالإدمان على المخدرات، مما يحفز منطقة الخلايا العصبية التي تكافئ الجسم بإفراز هرمون السعادة، الذي يُسمى "دوبامين"، وهذا "الدوبامين" بدوره يحث الدماغ على طلب المزيد، وهذا ما يفسر سبب التعلق بالحبيب أو الحبيبة، وعدم تحمُّل الابتعاد عنهم، مما استدعى الاختصاصيين والمستشارين العاطفيين إلى وضع لائحة من النصائح والإرشادات للمكسورة قلوبهم، للتخفيف من آلام الكسر، مثل تعزيز الجانب الروحي لديهم، لتحسين أمزجتهم ونفسياتهم، وقضاء وقت أكثر مع الأهل والأصدقاء، ومعاودة ممارسة هواية قديمة انقطعوا عن ممارستها لزمن طويل، أو استحداث هواية جديدة، أو تعلم لغة أخرى، لكي لا يكون لديهم وقت للتفكير بمشكلتهم العاطفية، أو المشاركة في الأعمال التطوعية والخيرية، من باب أن مساعدة الآخرين والقيام بشيء يفيد الإنسان والإنسانية يولد شعورا بالرضا الذاتي، ويعيد الثقة في النفس، ونصائح أخرى كثيرة خلص إليها مستشارو القلوب واختصاصيو العواطف تساعد في جبر القلوب المكسورة وإيقاف نزفها، ومنحها القوة لاستعادة توازنها والوقوف على أقدام مشاعرها مرة أخرى.

إلا أن ما يلفت النظر في توصيات الباحثين، هو تحذيرهم الشديد للمكسورة قلوبهم من مشاهدة الأفلام أو الاستماع للموسيقى، لأن ذلك قد يحفز على استرجاع ذكريات موجعة، مما يهيئ مناخا صالحاً لاستنبات الدمع في المآقي ومضاعفة كسر القلب، حتى الموسيقى المجردة والخالية من الكلمات المباشرة أو الموحية قد تفتك بقلب مكسور، بفعل نغمة شجية قاضية، أو قوس كمنجة دامٍ، أو بحة ناي خانقة، لذلك يوصي الخبراء كل الذين ما زالت جروحهم طازجة بتجنب الموسيقى، لخطورة ذلك على آلامهم.