لماذا اختيار عنصر النار كمادة بحث في شعر منصور الرحباني؟

Ad

منصور الرحباني الشاعر، عالم واسع من الفكر والفلسفة والخيال، مزيج من ثقافة كونيّة/ شعبية شاملة.

عنصر النّار واحد من العناصر الأربعة، مصدر النّور ومن خلاله، توالد النّظام النّهاريّ/ الليليّ.

ساعدني عنصر النّار كي أظهر منصور أديباً وشاعراً شرقيّاً مؤمناً بحتميّة الزّمن. يستطيع النّاقد أن يعيد الصّور الشعريّة كافّة عند شاعر معيّن إلى أحد العناصر الأربعة.

هل ثمة علاقة بين شعر منصور الرحباني وبين الفلاسفة القدماء الذين تحدثوا عن عنصر النار؟

تحدّث الفلاسفة عن النّار، وبرز دورها في الأساطير والحضارات، ومنصور الرحباني مولعٌ بالتّاريخ، لذلك عزّز موضوعاته بإطار تاريخيّ واجتماعيّ وسوسيولوجيّ، انطلاقاً من العصور القديمة وصولاً إلى حداثة وليم بلايك.

يُشار إلى أن العناصر التي تتكوّن منها البنية الرحبانية، هي نفسها عناصر البنية الذهنية ذات الطابع الجماعيّ مع احتمال وجود فوارق واختلافات عند الأفراد.

صراخٌ ضوئيٌّ

تناول منصور الرحباني الطبيعة في شعره. هل هي الطريق التي توصله إلى الحرية؟

الطبيعة عند منصور الرحباني عالم الإطلالة على النّور، وهي من خلال عناصرها، وحدة منسجمة تتفاعل فيها العناصر وتتحد.

وهو يسبر الأعماق ويقرأُ ضوءَ بوح العُيون، ويرى غمامه يغلّف المنازلَ والحُضور. يسمع الضوء ويفهم لغاته ومعانيه ويترجمها، فثمة «صراخٌ ضوئيٌّ وهديرٌ يأتي من غَزوٍ كَونيّ»، يكسرُ الأعرافَ والمفاهيمَ السائدة، ووسط كلِّ هذا يُسافرُ وحدَهُ مَلِكاً.

ما العلاقة بين النار والشمس والمرأة في شعر منصور الرحباني؟

قدّس منصور الرحباني الحبّ، فهو قيمة سامية، والشّمس/ النّاريّة/ النورانيّة هي المرأة التي تحيي، وتولّد في الإنسان الوحي والمعرفة. والشّمس/ المرأة هي عين المحبّة.

الضوء، والليل، والقمر، والنجوم... محاور في الكتاب، هل تعكس نظرة منصور الرحباني إلى الحياة والرحيل والماورائيات؟

الضّوء منبع النّار، واللّيل يخبئ أنقاض دورة النهار، والقمر ظلّ السكون وسيد اللّيل، والنجمة ملكة السّماء.

العناصر الضوئيّة كلّها ارتبطت بالحال النفسيّة للشّاعر، فهو سفر البداية والعودة (مختزنٌ سرّك فيّي كما في الرّملة تُختزن الصّحراء).

هل قصدت من خلال هذا الكتاب إعادة رسم شخصية منصور الرحباني المتفلتة من الذاتية إلى الشمولية والصوفية في النظرة إلى الكون والإنسان؟

منصور الرحباني تجربة شاملة، جسّد الحقيقة وحمل في صلبه وعياً شعريّاً بالكامل. وقد حاولت، من خلال هذه الدراسة، أن أظهر تعلّق منصور الشاعر بالحقّ والخير والجمال ضد سلطة المال واللذّة. كذلك ركزت على مواقفه الثّابتة انطلاقاً من مقاومة الفساد، وسياسة الاغتراب، وقتل اللغة، واستبدالها بلغات أجنبيّة (الأخوان رحباني غيّرا وجه الشّرق).

ما الهدف من وضع هذا الكتاب؟

أردت من خلال الشّعر، أن أقدّم صورة جديدة عن شعر منصور الرحباني بعيداً من الروايات الشّعبيّة.

يصغي منصور إلى تاريخه الداخلي والخارجي ليصوغ معانيه ولغته الشعرية. ويغرز حالات نفسه في العالم ليأخذ إيقاع العناصر ويحوّلها إلى مادةٍ مخزونة في الذاكرة ومهيأة للانطلاق نحو المستقبل، فنراه يُجسّد مخزون ذاكرته المتحوّلة في القول والكتابة.

الموروث الشعبي عند السياب

في كتابك «دلالات الأصوات في قصائد بدر شاكر السيّاب» تركزين على الموروث الشعبي عند السياب، ما الذي دفعك إلى اختيار هذا الموضوع؟

أثار الموروث الشّعبيّ اهتمامي في كتاب «دلالات الأصوات في قصائد بدر شاكر السيّاب»، لأنّ المفكّرين صوّروا عالم السيّاب الرومانسيّ والعقلانيّ والصّوفيّ، وضاقت الصّفحات بالحديث عن التزامه السياسيّ وحسّه النّقديّ.

لكنّ الأدب الشعبيّ عنده وليد تربة الوطن، فمن يطالع أعماله يتحوّل صوب أديمٍ واسعٍ من التراث الشّرقيّ الذي زيّنته محابر الغرب.

كيف ربط السياب الأصوات بصيغة أدبية في شعره؟

ربط السيّاب الأصوات بصيغة أدبيّة في شعره لأنّ دلالاتها جزء من الأدب الشعبيّ. لكنني كشفت النّقاب من خلال الدراسة عن تحليل موسيقيّ متحرّك أضيف إلى ما كُتب عن الشاعر. والزمن كلٌ متكامل، بعضه ظاهر للعيان وهو الوقت الذي نعيشه (حاضرنا)، أو الذي عبر (الماضي)، ويكون ظاهراً من خلال الذكريات، وبعضه خافٍ عن الذهن والرؤيا (المستقبل). وتتخطى العلاقة بين الشاعر ومستقبله الفكر البشري، فتشهد خوفاً وتنوّعاً، وتكون المتغيّرات العارضة في إطار ثبات الحياة أساساً من الجوهر الواحد. لكنّ الزمن يرصد هذه المتغيّرات ويسجّل تبدّل حالاتها وأشكالها.

الصراع بين الإنسان وخوفه من المستقبل، هو صراع جزئي متفرّع من أصل واحدٍ قائمٍ في الرغبة والميول الناشئة عن كيان مضطرب أصلاً.

هل فتحت الأصوات على آفاق إنسانية جديدة في شعره؟

ارتبط كلّ صوتٍ في شعر السيّاب بصيغة أدبيّة ريفيّة، وفتحت الأصوات على آفاق إنسانيّة جديدة في شعره من خلال الموضوعات المتنوّعة في الدراسة. فالغنى الصوتيّ ثورة ثقافيّة، والحياة التي ظنّها الحياة، ما هي إلا حلم بالحياة.

السيّاب بطل حزين ينبض في قلب كلّ إنسان، لكننا نتناساه خوفاً أو رياء، وما بحثي هذا سوى بصمة في حياة الأفراد لينهضوا من سطوة القيد وينطلقوا في مسيرة تتلوّن بمصير جديد.

الألوان ودلالاتها عند محمد الماغوط

حول اختيارها الألوان ودلالاتها وعلاقتها بحركة الزمن عند محمد الماغوط، وهل تشكل الألوان خاصية في شعره، توضح د. جيمي عازار:

«اخترتُ موضوع الألوان عند محمّد الماغوط لأنني اكتشفتُ تأثيرها في سايكولوجيا الإنسان. كذلك تحدد قراءة الألوان مسار المجتمع، وترسم خيوط المستقبل على الرغم من قسوة الماضي.

أدت الألوان دورها البارز في التحليل النفسيّ، ودخلت في العلاجات، واللافت تحوّل اللّون عند الماغوط من دلالاته المشرقة إلى دلالات عنيفة وقاسية».

تضيف: «تتداخل الألوان لترسم صورة واضحة عن أفكار محمد الماغوط، ومن الضروري الإشارة إلى أن هذه الألوان وإن كانت تمثل الفرح والطمأنينة، فهي ليست بالضرورة شاهداً على صورة إيجابية، مثلاً يربط الشاعر اللون الذهبي المشع بمرض السلّ، والأحمر يرمز إلى الظلم والأنانية...

محمد الماغوط إنسان منهزم، حمل جرح الوطن العربي، وحاول أن يرتقي بالحب، لكنه سرعان ما اصطدم بواقع مرير، هو يعاني رهاب الغياب وينزف من جرح ختم حياته وصوّر هويته المفقودة».

تختم: «رغم شذرات الأمل التي عكستها بعض الألوان، نراه غارقاً في عدميّة التراب الذي ابتعد في مشهديته من صورة الأم وراح صوب المثوى والعدم».