أقر مجلس الأمة بشقيه النيابي والحكومي الأربعاء الماضي قانون التقاعد المبكر، رغم كل السجالات والمحاذير الفنية والاقتصادية التي رافقت نقاشاته وإعداد مواده، وحالة المزايدة بين الأطراف التي صاغت القانون، وما رافقه أيضاً من صفقات سياسية، ولكن في النهاية تمت الموافقة عليه ضمن العملية الديمقراطية التي تجيز للأغلبية إقرار التشريعات وفقاً للآلية الدستورية التي توافق عليها أهل الكويت.

ولكن المصلحة الوطنية في إقرار القوانين محل الجدل والاختلاف لا تقف عند حد التصويت عليها وإقرارها، بل يجب أن تستمر وتتابع انعكاسات مثل تلك القوانين على مصالح الوطن والمواطنين، حتى لا يدفع البلد أثماناً باهظة لتشريعات لم تُراعَ فيها الجوانب الفنية البحتة، وبالنسبة إلى قانون التقاعد المبكر فإن مقدميه ومناصريه بشروا بأنه سيحل مشكلة البطالة، والتكدس الوظيفي في الدوائر والمؤسسات الحكومية، بينما رأى معارضوه أنه سيؤدي إلى فقدان أعداد كبيرة من أصحاب الخبرات الوطنية، وزيادة الاعتماد على العمالة الوافدة من أصحاب المهن الفنية وذوي الخبرات الوظيفية.

Ad

بين ذلك الرأي ونقيضه ضاع مَنْ يبحثون بصدق عن المصلحة الوطنية وتعديل التركيبة السكانية، ولذلك فإن الجهات المعنية بالتخطيط للبلد وكذلك البحثية عليها أن تتابع بدقة عند تنفيذ "التقاعد المبكر"، على مدى 3 سنوات مقبلة- على سبيل المثال- الأعداد التي ستخرج للتقاعد بناءً على ذلك القانون، وخصوصاً من أصحاب المهن المطلوبة في البلد من الوظائف الطبية والتعليمية والهندسية والتخصصات النادرة التي تحتاج إليها الكويت، كما يجب رصد أثر ذلك القانون على طابور طالبي الوظائف في القطاعين الحكومي والخاص.

وذلك الرصد والمتابعة لآثار القانون سيجعلاننا في المستقبل نتناول قضية التقاعد وموقف مؤسسة التأمينات الاجتماعية وحالة القوى العاملة الوطنية من واقع إحصائيات ودراسات موثقة وموثوقة، لأننا في الكويت فتحنا موضوع التقاعد في عام 1996، وتم تعديل نظامه بشكل جذري وشامل، وبعد 20 عاماً فُتِحت القضية مرة أخرى، وأجريت تعديلات مؤثرة على نظام التقاعد دون أن تكون هناك دراسات أو إحصائيات عن أثر تعديلات 1996.

حالياً وفي ظل الظروف الاقتصادية المستجدة، وتقلبات سوق النفط، والاختلالات الكبيرة في الموازنة العامة للدولة لا يمكن ترك الأمور "سماري" 20 سنة مقبلة، بل يجب أن تتابع وتدرس عواقب "التقاعد المبكر" الذي أُقر الأسبوع الماضي فإن كانت إيجابية، كما بشر مؤيدوه، فلا مانع حتى من خفض سن التقاعد مرة أخرى إلى 50 عاماً وبدون تكلفة على المتقاعد، أما إذا كانت خلاف ذلك فعلى مجلس الأمة المقبل (الفصل التشريعي التالي) أن يعيد نقاش هذا القانون ويعدل اختلالاته وآثاره السلبية على الكويت.