أمر مستغرب الإشادة بالمستوى المخزي لمؤشر مدركات الفساد للعام 2018 والصادر عن منظمة الشفافية الدولية مع بداية السنة الجديدة، والأكثر استغراباً أن يتوج هذا المديح من قبل الهيئة العامة لمكافحة الفساد "النزاهة" رغم أن الترتيب العام لدولة الكويت ما زال يقبع في ذيل قائمة دول العالم، وقد حصدنا ما مجموعه 41 نقطة من 100، وهو المستوى الرسمي لوقوعنا في المنطقة "الفاسدة" عالمياً.

كل ما في الأمر أن مدركات الفساد قد تحسنت بمقدار متواضع لا يتجاوز 4% فقط، وهو معدل هزيل بمعنى الكلمة، ومع ذلك يتم إقحام القيادة السياسية وجهود الحكومة ودور هيئة النزاهة في مثل هذا الإنجاز واعتباره نجاحاً، ونخشى أن تقام الاحتفالات بهذه المناسبة السعيدة، فهل هذا هو حجم طموحنا؟ وهل قيام هيئة مستقلة بصلاحيات واسعة ومكافآت سخية يتناسب مع هذا النوع من النجاح؟!

Ad

كنا نأمل أن تكون ردة الفعل غاضبة ومستنكرة لهذه النتيجة وتعلن حالة الاستنفار لعدم الرضا بمثل هذا الأداء المتواضع، اعترافاً بالقصور وتحملاً لمزيد من المسؤولية، وأن نقر بأننا ما زلنا في خانة الخجل من أنفسنا، خاصة أن الكثير من أعضاء السلطة التشريعية والرقابية بات صوت شخيرهم أعلى من صوت تصريحاتهم في التعليق على هذه النتيجة "الفشيلة"، فنسبة 41 من 100 تعني الرسوب وإعادة السنة بدءا من سنة أولى ابتدائي حتى آخر سنة جامعة، ومن يرسب في الامتحان النهائي لا يشكل معدله أي فارق إن كان 40 أو 30 أو 20، فالنتيجة هي ذاتها وتحمل "الدواحية" الحمراء نفسها.

جهود مكافحة الفساد لا شك أنها كثيرة ومتنوعة، وتعود إلى جهات رسمية وأهلية، حكومية وتطوعية، إعلامية وسياسية، فنية ومهنية، ويعود نشاط بعضها إلى سنوات مضت، لذا فإن المفارقة تكمن في عدم التناسب بين هذه الإسهامات المتعددة وما قد يعتبره البعض تحسّناً طفيفاً، مما يعني أن إمبراطورية الفساد ما زالت أقوى من الجميع، وأن أخطبوطه لم يفقد حتى طرفا واحدا من أطرافه، ويبقى يحظى بالرعاية وربما الحصانة، حيث رموزه في مواقع متقدمة ويتجولون بين المناصب ويتقدمون الصفوف.

ولا نعني بذلك على الإطلاق بث روح الإحباط أو مجرد توجيه النقد خصوصاً للكثير من أبناء هذا البلد المخلصين في مكافحة الفساد وصوره وشخصياته على مختلف الصعد، فهناك من دفع ثمن الدفاع عن المال العام، وهناك من ضحى في سبيل المصلحة الوطنية، وهناك الفرسان المستمرون في هذا الدرب رغم وعورته ورغم من هادن وتراجع في منتصف الطريق، ومن صمت أو أجبر على السكوت إما لدواعي اليأس أو الخوف أو حتى من باع تلك المبادئ، الأمر الذي يستعدي تعاظم الجهود وتوسع جبهة هذا التصدي في هذا الماراثون الذي يتساقط في مضماره الكثير.

ونصيحة لمن استعجلوا الاحتفال بإنجاز الـ4% الهزيل أن يتريثوا قليلاً، فما أعلن عن فضائح وزارتي الداخلية والدفاع فقط كفيل بتسجيل "سواد وجه" من العيار الثقيل في نسخة مؤشر فساد العام القادم!