كتب توماس فريدمان في أحد مقالاته المحيرة: لمَ كان بلد الربيع العربي الوحيد الذي نجح في خوض عملية انتقال سلمية نسبياً من الحكم الدكتاتوري إلى الديمقراطية الدستورية (مع تمكين كامل لنسائه) الدولة التي ظل تدخلنا فيها الأدنى والتي لم نرسل إليها مطلقاً جنوداً ليحاربوا ويموتوا؟ نتكلم عن تونس.

نعم، نجحت تونس، دولة الشرق الأوسط الوحيدة التي حققت الأهداف التي رغبتنا فيها بشدة في العراق، وسورية، ومصر، وليبيا، واليمن، وأفغانستان، في بلوغ مسعاها هذا بعدما استقبلت عدداً من عمال هيئة السلام الأميركية خلال السنوات الخمسين الماضية يفوق عدد المستشارين العسكريين الأميركيين وبعدما تلقت مساعدة أميركية لا تتخطى المليار دولار (مع ثلاثة ضامنين للقروض) منذ ثورتها الديمقراطية بين عامَي 2010 و2011.

Ad

في المقابل، تنفق الولايات المتحدة اليوم نحو 45 مليار دولار سنوياً في أفغانستان بعدما أمضت 17 سنة وهي تسعى إلى تحويلها إلى ديمقراطية تعددية، ولا شك أن هذا تناقض مجنون. نعم، إنه كذلك.

كما أشار فريدمان نفسه في مقال نُشر لاحقاً، تختلف تونس كل الاختلاف عن أفغانستان، ويبقى القاسم المشترك الوحيد بينهما أن سكانهما من المسلمين عموماً. تونس دولة متحضرة تملك روابط سياسية واقتصادية مع أوروبا. كذلك تُعتبر دولة ليبرالية نسبياً حصدت بعض فوائد الاستعمار (ينظّم الفرنسيون الإدارة بنجاح)... أما أفغانستان، فبلد ريفي، معزول، وقبلي. أنّت تونس عندما خضعت لحكم مستبد، في حين اتضح أن حكم أفغانستان مستحيل حتى خلال عهد أعتى الطغاة أو مَن يطمحون إلى أن يصبحوا طغاة.

يعني هذا أن مستوى التدخل الأميركي في تونس وطابعه لا يندرجان على الأرجح بين المتغييرات الأكثر أهمية.

رغم ذلك، يحمل طرح فريدمان عموماً الكثير من الحقائق: عانى ما دُعي مشروع الديمقراطية خلال عهد بوش غطرسة مريعة ومبالغة فادحة لما يمكن تحقيقه بقوة السلاح في وجه مد الثقافة العنيد.

ولكن على غرار كوخولين، يبدو فريدمان مصمماً على شن حروب متواصلة:

أخذ مليارين من المليارات الخمسة والأربعين التي نوفرها بالخروج من أفغانستان واستثمرها إقليمياً في كل التغييرات الثقافية، التي جعلت تونس فريدة، في مختلف أرجاء العالم العربي. أقدّم مساعدة كبيرة للجامعة الأميركية في القاهرة، والجامعة الأميركية في بيروت، والجامعة الأميركية في العراق في السليمانية، والجامعة الأميركية في أفغانستان.

أوسّع أيضاً برنامج المنح الذي نظمناه سابقاً والذي أتاح أمام طلاب المدارس الرسمية العربية فرصة الحصول على منحة تمولها الولايات المتحدة إلى أي كلية فنون ليبرالية أميركية الطراز في لبنان أو أي منطقة أخرى.

أعمل أيضاً على توسيع إلى حد كبير برنامج تقديم تأشيرات دخول ومنح للطلاب، وخصوصاً النساء العربيات، للدراسة في الولايات المتحدة. أقدّم خمسة آلاف منحة للإيرانيين ليأتوا إلى الولايات المتحدة ويحصلوا على شهادات في العلوم، أو الهندسة، أو الطب مع توافر التأشيرات في دبي، ولا شك أن هذا الصف سيمتد طويلا! وما من أمر قد يحرج النظام الإيراني أكثر من ذلك.

هذه بالتأكيد أفكار تستحق التوقف عندها وتستحق على الأرجح أن نخصص لها مالنا وجهدنا، ولكن من الضروري أن يصغي فريدمان إلى هذه النصيحة: تختلف تونس كل الاختلاف عن أفغانستان أو العراق، وقدرتنا على تحويل أفغانستان أو العراق (أو حتى سورية) إلى ما يشبه تونس محدودة جداً، بغض النظر عن الأدوات التي نستعملها في هذا المشروع.

* كيفين د. وليامسون

*«ناشيونال ريفيو»