رغم تعهدها في ديسمبر الماضي بسحب جميع القوات من سورية، تدرس إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة لإبقاء جنودها في قاعدة التنف على المثلث الحدودي مع العراق والأردن لإحباط طموح إيران في إنشاء ممر بري إلى بيروت والمتوسط.

ونقلت مجلة «فورين بوليسي» أمس، عن مصادر أن الحكومة الأميركية تعتبر القاعدة حاسمة في مقاومة النفوذ الإيراني لوقوعها في منطقة استراتيجية قرب معبر التنف مع العراق، على تقاطع طريق رئيسي سريع يربط بغداد بدمشق، وهو الطريق البري الأساسي لنقل إمدادات الأسلحة من إيران إلى سورية وميليشيات «حزب الله» اللبناني.

وأوضح أحد كبار القادة العسكريين، أن «التنف تمنع إيران من إنشاء خط اتصال بري يمتد من أراضيها ويمر عبر العراق وسورية إلى جنوب لبنان لدعم حزب الله»، مضيفاً أن «الهدف المنطقي الوحيد» الذي تعمل بمقتضاه القاعدة هو السماح «بمراقبة وتعطيل تدفق ميلشيات إيران».

Ad

ويساعد وجود أكثر من 200 جندي أميركي، يدعمون ويدربون فصائل المعارضة السورية في المنطقة الجنوبية على إعاقة آمال إيران في «الهلال الشيعي»، وهو جسر بري يمتد من إيران عبر العراق وسورية إلى لبنان.

وبحسب المصادر، فإن أهمية التنف لا تنبع من موقعها الاستراتيجي فقط، بل إعلانها من قبل واشنطن على أنها «منطقة عدم اشتباك» نصف قطرها 55 كيلومتراً، مما يسمح لقواتها بالدفاع عن نفسها في مواجهة الإيرانيين أو غيرهم.

وتزامناً مع دخول مئات العسكريين الأميركيين لتأمين خروج نظرائهم، استقدم التحالف الدولي شاحنات محملة بأسلحة وذخائر ومعدات إلى سورية.

وأفاد المرصد السوري بأن «ما لا يقل عن 250 شاحنة محملة بالأسلحة والذخائر ومعدات لوجستية دخلت الأراضي السورية يوم الخميس، وتم توزيعها على قواعد التحالف في منطقة كوباني ومطارها، وعين عيسى، والرقة، وتل تمر وغيرها، في كل من محافظات حلب والرقة والحسكة».

اتفاق أضنة

إلى ذلك، أوضحت دمشق، أمس، موقفها من اتفاق أضنة الموقع مع تركيا عام 1998، واشترطت إعادة الأمور على الحدود إلى سابق عهدها لتلتزم بتنفيذ بنوده.

وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية، في بيان، «بعد ما يتم تداوله حول اتفاق التعاون المشترك مع تركيا، والتصريحات المتكررة وغير المسؤولة حول نواياها العدوانية. تؤكد سورية أنها ما زالت ملتزمة به وبالاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الإرهاب من الدولتين، لكن النظام التركي منذ عام 2011، كان ولا يزال يخرقه بدعم الإرهاب وتمويله وتدريبه وتسهيل مروره، أو عبر احتلال أراضٍ سورية من خلال المنظمات الإرهابية التابعة له، أو عبر قواته المسلحة بشكل مباشر».

وتابع المصدر: «بالتالي فإن سورية تؤكد أن أي تفعيل لهذا الاتفاق يتم عبر إعادة الأمور على الحدود بين البلدين كما كانت، وأن يلتزم النظام التركي به ويتوقف عن دعمه وتمويله وتسليحه وتدريبه للإرهابيين، وأن يسحب قواته العسكرية من المناطق التي يحتلها، وذلك حتى يتمكن البلدان من تفعيل هذا الاتفاق الذي يضمن أمن وسلامة حدودهما».

ومع وصول المبعوث الأميركي لسورية والتحالف جيمس جيفري للمرة الثانية خلال شهر إلى أنقرة ولقائه وزير الدفاع خلوصي آكار لبحث تسريع عملية الانسحاب وخريطة منبج وعملية شرقي الفرات، جدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التأكيد أن «اتفاق أضنة»، الذي أنهى أزمة مع دمشق سببها وجود زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان بسورية حينها، يسمح بدخول سورية متى وأينما واجهت تركيا أي تهديدات.

ودعا إردوغان، أمس الأول، إلى إقامة «المنطقة الآمنة» «في غضون بضعة أشهر، مؤكداً أن «للصبر حدوداً وأنه لن ينتظر إلى ما لا نهاية للوفاء بالوعد، الذي قطعه ترامب، ومحذراً من أنه سيتكفل بتنفيذه بنفسه.

لافروف

وخلال مؤتمر صحافي مع نظيره المغربي ناصر بوريطة في الرباط، شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، على أن موسكو تعتبر «اتفاق أضنة» «لا يزال سارياً». وقال: «جوهر الاتفاق يتمثل في تبديد مخاوف تركيا وسورية وافقت على إبرامه، وتحملت التزامات محددة»، مؤكداً أن الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره التركي مهتمان باستعادة سورية لسيادتها ووحدة أراضيها بشكل كامل والأتراك أكدوا مرة أخرى على ذلك دون قيد أو شرط».

الجامعة العربية

وإذ أوضح لافروف أنه بحث مسألة عودة سورية للجامعة العربية في تونس والجزائر والمغرب، اعتبر وزير الشؤون الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، في مؤتمر صحافي عقده أمس مع لافروف أن «المكان الطبيعي» لسورية هو «داخل جامعة الدول العربية»، مشيرا إلى أن السفارة التونسية في دمشق مفتوحة ويوجد قنصل فيها.

وشدد الجهيناوي على أن تونس، التي ستستضيف القمة العربية في 31 مارس 2019، مع وحدة سورية وسيادتها، مؤكداً الحرص على الإسراع بإيجاد حل للنزاع وتوافق السوريين للخروج من أزمتهم.

مفاوضات كردية

وبينما يواصل وفد قوات سورية الديمقراطية (قسد) نقل هواجس الأكراد لواشنطن، كشف قائد وحدات حماية الشعب سيبان حمو عن بدء المحادثات مع دمشق حول مستقبل المنطقة الشمالية الشرقية في الأيام المقبلة، مشدداً على أن أي منطقة آمنة يجب أن تكون تحت رعاية الأمم المتحدة.

وقال حمو، لوكالة «رويترز»، «دمشق تلقت اقتراحنا، الذي ركز على الحفاظ على حقوق الأكراد والأقليات، بما في ذلك التعليم وكذلك الحكم الذاتي.

بإيجابية»، معتبراً أن الانسحاب الأميركي متسرع ولا يمكن تنفيذه عملياً والمعركة مستعرة مع تنظيم «داعش».

وفي محاولة لنقل صورة واضحة لقلق القوى الكردية، من المنطقة الآمنة والانسحاب المبكر، عقد وفد «قسد»، الذي تترأسه القيادية الكردية، إلهام أحمد، اجتماعاً استكشافياً في مجلس الشيوخ الأميركي، أمس الأول، تداول آخر التطورات ومستقبل شمال وشرق سورية».

وعلى الأرض، أسفر قصف صاروخي أميركي استهدف آخر جيوب «داعش» قرب بلدة الباغوز في دير الزور عن مقتل 42 شخصاً بينهم 13 مدنياً، بحسب المرصد السوري، الذي أوضح أمس، «أن التنظيم يستخدم هذه المنطقة لشن هجمات مضادة». وفشل التنظيم الخميس في استعادة الباغوز من «قسد» في هجوم أدى إلى مقتل نحو 50 من الجانبين وفرار آلاف الأشخاص، معظمهم من النساء والأطفال.