حصانة العضوية هي الحصانة التي يقررها الدستور في المادة (95) فيما نصت عليه من أنه: "يفصل مجلس الأمة في صحة انتخاب أعضائه، ولا يعتبر الانتخاب باطلاً إلا بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ويجوز بقانون أن يعهد بهذا الاختصاص إلى أي جهة قضائية".

ولهذا النص دلالتان:

Ad

الدلالة الأولى: الدلالة المستفادة أصلا من النص وهي اختصاصه بالفصل في الطعون الانتخابية.

الدلالة الثانية: وهي تستفاد تبعاً للدلالة الأولى، وهي اختصاصه بالفصل في صحة عضوية أعضائه، لأن الفصل في صحة انتخاب أعضاء المجلس، يقتضي لزوما اختصاصه بالفصل في توافر شروط العضوية المنصوص عليها في المادة (82)، ومنها توافر شروط الناخب طبقاً لأحكام قانون الانتخاب، في المطعون على صحة انتخابه، لأنها مسألة أولية قد تغني المجلس عن التحقق من سلامة العملية الانتخابية في مراحلها المتعددة والمتمثلة في التصويت والفرز وإعلان النتيجة، وما تم قبل ذلك من إجراءات، توصلاً للتأكد من سلامة تعبير الانتخاب عن إرادة الناخبين.

وترتيبا على ذلك فإن اختصاص مجلس الأمة بالفصل في فقد العضو أحد الشروط المنصوص عليها في المادة (82) من الدستور أو في قانون الانتخاب، إعمالا لأحكام المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، ليس مستمداً من هذه المادة، بل هو اختصاص دستوري مستمد من نص المادة (95) من الدستور.

ويؤيد هذا التفسير لأحكام المادة (95) من الدستور ويعززه، أربع قراءات لأحكام هذه المادة وهي:

- قراءة المجلس التأسيسي لها عند إقراره قانون انتخابات مجلس الأمة، والذي صدر في 12 نوفمبر 1962، في اليوم التالي لصدور الدستور في 11 نوفمبر سنة 1962.

- قراءة المشرع لأحكام هذه المادة عندما أقر اللائحة الداخلية لمجلس الأمة متضمنه المادة (16) سالفة الذكر.

- قراءة ثالثة هي قراءة المشرع لأحكام المادة (95) من الدستور عندما أقر إنشاء المحكمة الدستورية وعهد إليها بالفصل في الطعون الانتخابية، إعمالاً لأحكام المادة ذاتها التي أجازت أن يعهد باختصاص المجلس بهذا الأمر إلى جهة قضائية.

- قراءة رابعة هي قراءة المحكمة الدستورية للمادة المذكورة والتي تستمد منها اختصاصها بالفصل في الطعون الانتخابية.

ونتولى بيان هذه القراءات الأربعة فيما يلي:

القراءة الأولى

قراءة المجلس التأسيسي في قانون الانتخاب في المناقشات التي جرت بجلسة المجلس التأسيسي المعقودة بتاريخ 10 نوفمبر سنة 1965، التي دارت حول مشروع قانون انتخابات مجلس الأمة الذي قدمته الحكومة وأقره المجلس التأسيسي في هذه الجلسة أن يعهد قانون الانتخابات إلى لجنة قضائية أو لجنة يترأسها قاض بالفصل في توافر شروط العضوية، فرأي الخبير الدستوري الراحل د. عثمان خليل أنه "معنى ذلك أننا نأخذ اختصاص المجلس نفسه الذي له حق الفحص وحق رقابة هذه الشروط، لأن توفر الشروط وعدم توفرها قد نص الدستور عليها، فهي حق من حقوق المجلس نفسه وتعتبر ضمانة من ضمانات المجالس النيابية، (مضبطة المجلس التأسيسي جلسة 10/ 11/ 1962 ص8 و9)، في إشارة واضحة الى المادة (95) من الدستور".

وتضمن قانون انتخابات مجلس الأمة الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1962 نص المادة (50) التي عهدت إلى مجلس الأمة بالإعلان عن فقد عضو مجلس الأمة أحد شروط عضوبته، فيما نصت عليه من أنه "تسقط العضوية عن عضو مجلس الأمة إذا فقد أحد الشروط المشترطة في العضو أو تبين أنه فاقدها قبل الانتخاب، ويعلن سقوط العضوية بقرار من المجلس".

وإن تخفف المجلس التأسيسي من الأغلبية الخاصة التي تطلبتها المادة (95) من الدستور، فرجعت المادة (16) إلى الأصل العام وهو الأغلبية العادية اللازمة لصحة القرارات الصادة من مجلس الأمة، وهو الأصل الذي تقرره المادة (97) من الدستور.

بحسبان أن مجلس الأمة يقتصر دوره طبقا لأحكام المادة (50) سالفة الذكر على إعلان فقد العضو لعضويته، حيث استهلت هذه المادة أحكامها "بسقوط العضوية عن عضو مجلس الأمة إذا فقد أحد شروط المشترطة لها"، وغنيٌّ عن البيان أن المجلس لابد أن يكون قد تحقق قبل هذا الإعلان بواسطة اللجنة التشريعية القانونية وبواسطة مستشاريه من فقدان العضو لهذا الشرط، لأن حذف المعلوم جائز.

والواقع أن الأهمية التي اكتسبها قانون انتخابات مجلس الأمة سالف الذكر ترجع إلى أن ما نصت عله المادة (182) من الدستور على العمل بأحكام الدستور من تاريخ اجتماع مجلس الأمة، وهي أنه يشترط في عضو مجلس الأمة أن تتوافر فيه شروط الناخب، فقانون الانتخاب كان قاطرة الأمة صاحبة السيادة ومصدر السلطات جميعا الى ميلاد الحياة الدستورية بالكويت وقاطرة الحكم الديمقراطي.

القراءة الثانية

قراءة اللائحة الداخلية للمادة (95) من الدستور

يتبين من استعراض نصوص اللائحة الداخلية لمجلس الأمة أنها أفردت المواد من 4 إلى 11 "لـ" الفصل في صحة العضوية، وهي تتناول تحت هذا المسمى الفصل في صحة انتخاب أعضاء مجلس الأمة، وأفردت المادة (16) للضمانات التي تكفل حصانة العضوية وحماية العضو من أي عسف أو تعسف في إسقاط عضويته تحت مسمى "إسقاط العضوية"، فالمادة (16) تتعانق، وتلك المواد وتتلاحم معها، فكلها صدرت من نبع واحد هو نص المادة (95) من الدستورـ

وقد كان الأغلب الأعم من أعضاء المجلس التأسيسي أعضاء في أول مجلس تشريعي أقر هذه اللائحة وضمنها المادة (16) سالفة الذكر التي لا تعدو أن تكون تطبيقا وتفصيلا لأحكام المادة (95) من الدستور، وعودة إلى الأغلبية الخاصة التي قررتها هذه المادة في إبطال انتخاب عضو مجلس الأمة، حيث تنص المادة (16) على أنه "ولا يكون إسقاط العضوية إلا بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس باستثناء العضو المعروض أمره".

فضلا عن الضمانات المتعددة التي حفلت بها أحكام هذه المادة، باعتبار أن حصانة عضوية النائب هي أخطر ما يتهدد العضو في ممارسة مسؤولياته الدستورية التشريعية والرقابية، وأخطر من أي إجراء جزائي يتخذ ضده وهي الحصانة القضائية الإجرائية التي تستلزم إذن المجلس لاتخاذ هذا الإجراء، فحظرت اللائحة على العضو التنازل عن هذه الحصانة إلا بإذن المجلس.

وللحديث بقية إذا كان في العمر بقية.