تشهد الساحة السياسية مجموعة من التحركات والمفاوضات، وترشح معلومات حول عقد صفقات سياسية لطي صفحة الواقع الحالي، ومن بين أبرز صور هذه التحركات القبول بإسقاط عضوية النائبين الطبطبائي والحربش والدعوة إلى انتخابات تكميلية بعد سحب الإشكال أمام المحكمة الدستورية، على أن تتفق المعارضة وخصوصا الحركة الدستورية في ترشيح ممثليها للاحتفاظ بالمقعدين، وهذا هو المدخل المحتمل لعودة بعض المحكومين في قضية المجلس، وتسليم أنفسهم في مقابل النظر في مسألة العفو كمخرج لإعادة ترشيح أنفسهم في الانتخابات النيابية القادمة، إضافة إلى استكمال النظر في موضوع سحب الجناسي.

وبذلك، إن صحت وتحققت هذه التكهنات، فسوف تغلق صفحة المعارضة مقابل هدنة سياسية قد يطول أمدها، خصوصا أن معظم شخصيات المعارضة وتياراتهم قد انشغلوا بأنفسهم، وباتوا يقبلون بالعودة إلى المربع الأول على حساب بقاء الواقع الذي فرضته الحكومة، سواءً على صعيد النظام الانتخابي أو القوانين المسلطة على حرية التعبير عن الرأي أو الاحتفاظ بورقة التهديد المتمثلة بالجنسية، الأمر الذي يعني إطلاق يد الحكومة في السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة وقراراتها ومؤسساتها بما فيها مجلس الأمة.

Ad

هذه التطورات لها علاقة وثيقة بما يتسرب أيضاً من معلومات وشواهد تطبيقية على الخلافات الحادة بين أقطاب الحكومة، فتوقيت فتح ملفات الفساد خاصة في وزارات السيادة كالداخلية والدفاع دليل واضح على احتدام الصراع الذي قد يفضي إلى ولادة حكومة جديدة، وإعادة الاصطفافات داخل أسرة الحكم، مما قد يعيد بعض الرموز السابقة إلى الواجهة مجدداً، وبالتالي فإن العهد الجديد، إن صح التعبير، سيكون في موقع قوة خصوصاً بعد تطويع أو تحييد معظم شخصيات المعارضة وتياراتها خلال ما تبقى من عمر المجلس الحالي أو حتى مع الانتخابات القادمة التي لن تخلو بدورها من تغيير مهم في تركيبة البرلمان الجديد.

وبغض النظر عن مدى رجاحة هذه السيناريوهات، كلياً أو جزئياً، لا يبدو في الأفق أي مؤشرات لتغييرات حقيقية أو جادة وواعدة، فالملفات العالقة بشأن الفساد وتردي الخدمات وانعدام الرؤى المستقبلية ستبقى في قلب المشهد إن لم تكن المحرك الرئيس له، وتضييق مساحة العمل السياسي وتكبيله بالقيود المفروضة على تحركاته لا تزال قائمة وسوف تستمر في المستقبل، والنظام الانتخابي المتمثل بالصوت الواحد أثبت فشله ليس على مستوى الارتقاء بالديمقراطية فحسب، بل على صعيد تفكيك النسيج الوطني وشرذمة مكونات المجتمع وتحريضها على بعضها.

وفي مثل هذه البيئة الآسنة فإن المستفيد الوحيد هم أصحاب النفوذ الفاعلون منهم حالياً أو ممن سيتم استبدالهم والدفع بهم إلى الواجهة، والخاسر الأول والأخير هي الكويت، وخصوصا شبابها الذين يدفعون ثمن الواقع السيئ الذي قد يخطف مستقبلهم أيضاً، ولذا فإن الدور القادم يقع على عاتقهم في أي مشروع إصلاحي حقيقي وصادق، ويتطلب ذلك المزيد من التقارب والتنسيق فيما بينهم لتقوية الجبهة الداخلية التي فرّط بها جيل آبائهم!