حملت ميزانية الكويت لعام 2019 -2020، التي أعلنتها وزارة المالية هذا الأسبوع، في أرقامها بيانات واضحة تشير إلى فشل الإدارة العامة في التعامل مع التحديات الحاضرة، فضلاً عن القلق مما سيحمله المستقبل إذا استمرت وتيرة المصروفات وإعداد البيانات المالية للدولة على حالها خلال الأعوام المقبلة.

ومن اللافت، أن الميزانية الجديدة، البالغة قيمتها 22.5 مليار دينار، تعد الأضخم من حيث الإنفاق، مقارنة بآخر 10 سنوات مالية، بعد أن تراجع مجلس الوزراء عن خطته لثلاث سنوات بشأن سقف الإنفاق المفترض لهذا العام عند 20 مليار دينار، خصوصا أن هذا السقف لم يتم الالتزام به العام الماضي.

Ad

وتعبِّر - أي الميزانية - عن حالة فشل لكل خطط الدولة في فترتي الفوائض والعجوزات المالية، فالتفاصيل المُعلنة في الميزانية تجعل لكل رقم فيها ما يقابلها من شواهد الإخفاق، وأهمها أن سعر الأساس، الذي بُنيت عليه افتراضات الميزانية عند 55 دولارا للبرميل، نما بواقع 22 في المئة خلال 3 سنوات، أما سعر التعادل، البالغ 80 دولارا للبرميل، فارتفع بواقع 13 في المئة خلال نفس الفترة.

أرقام وإخفاقات

فتجاوز بند الرواتب، وما في حُكمها، 12 مليار دينار، بارتفاع بلغ 5 في المئة عن العام الماضي، يكشف عجزا متراكما في مسائل توفير الفرص الوظيفية بالقطاع الخاص، وتعثُّر إنشاء بيئة أعمال للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. ونمو بند الدعومات بـ 6.2 في المئة إلى نحو 4 مليارات دينار يبيِّن جانبا مهما من عدم عدالة صرف الدعومات؛ ما بين دعم شبكة الأمن الاجتماعي للمواطنين، وخلطها مع الدعومات الموجَّهة للقطاع الخاص، ناهيك عن عدم توجيه هذه الدعومات نحو الطبقة المتوسطة، أو من هم دونها.

أما الإنفاق الاستثماري، الذي يتم اعتباره لدى صُناع القرار تنمويا، والبالغة قيمته 3.77 مليارات دينار، بنمو سنوي يبلغ 0.7 في المئة، فهو أحد أوجه الإنفاق التي تحتاج إلى إعادة قراءة، لإعادة هيكلته عبر مشاريع الشراكة التي تخفض أكلاف هذا البند، وترفع من القيمة المضافة للمشاريع على الاقتصاد.

أما الإيرادات غير النفطية التي وضعتها الميزانية، بواقع 1.86 مليار دينار، أي 11.4 في المئة من إجمالي الإيرادات و8.3 في المئة من إجمالي المصروفات، فإن تجارب السنوات السابقة التي يعبِّر عنها الحساب الختامي للدولة تشير إلى أن هذه الإيرادات، رغم محدوديتها، فإنها لا تتحقق بشكل كامل للميزانية، مع أن هذا النوع من الإيرادات غير النفطية هو الذي يعبِّر عن كفاءة الاقتصاد ومدى إمكانية تطوره وتحقق الأهداف المرسومة في العديد من الخطط الحكومية.

قلق متزايد

ومبعث القلق في ميزانية 2019 -2020، أن إخفاقات الحاضر هي التي تعزز من مخاطر المستقبل، فلا حلول لدى متخذي القرار أمام النمو المطرد في الإنفاق العام، هذه السنة وفي السنوات المقبلة، وتنامي توقعات عجز الميزانية إلا عبر خيارين كلاهما محفوف بالمخاطر لا يصلح على المدى الطويل؛ الأول هو السحب من الاحتياطي العام للدولة، والذي تناقصت قيمته إلى النصف خلال 6 سنوات ماضية.

أما الخيار الثاني، فيتمثل في الاقتراض من الأسواق الدولية لتمويل العجز، وليس للاستثمار في الاقتصاد، وبالتالي لا يمكن تصوُّر كيف يمكن لإدارة لم تنجح في التحكم بمصروفاتها من خالص أموالها أن تدير ديوناً سيادية لسداد تكاليف إنفاق منفلتة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إلغاء قرار السقف الأعلى للميزانية، بحد ذاته، يجب أن يقلل الاندفاع نحو الاقتراض، لا أن يكون سببا له. والأهم أن الإخفاق في إدارة ملف الديون السيادية يحمل مخاطر كبيرة على أقلها التصنيف وأكبرها السيادية.

مخاطر المستقبل

ومع ميزانية قياسية لهذا العام يبرز السؤال عن أي ميزانيات متوقعة خلال الأعوام القادمة، وما مدى قدرة الدولة على تغطية هذه المصروفات المتنامية، مع توقعات بأن تتعاظم طلبات فرص العمل خلال السنوات القليلة المقبلة، وهو البند الضخم في الميزانية إلى 55.9 ألفا في عام 2025، وتتصاعد في عام 2030 إلى 74 ألفا، في حين توفر الدولة حاليا ما يوازي 21 ألف وظيفة في القطاع العام؟ الأمر الذي يعني أن الإدارة الحكومية بين خيارين؛ الأول أن تتوقف أو تخفض التوظيف، فتخلق أزمة بطالة تترتب عليها تحديات متنوعة ذات آثار سلبية على الدولة والمجتمع.

أما الخيار الثاني، فهو أن تنجح الدولة في توفير فرص عمل بالقطاع الخاص، فضلا عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين سنويا. ومشكلة هذين الخيارين، أن أولهما مرٌّ، والثاني لا تجارب سابقة تبشِّر ولو بجزء يسير منه.

وبالطبع الطلب العالي على الوظائف، بكل ما تحمله من كلفة وعجز عن خلق البدائل، سيمتد إلى مختلف الخدمات التي تقدمها، كالصحة والسكن والكهرباء والتعليم وغيرها.

إنكار المشكلة

الأسوأ من الميزانية ونمو مصروفاتها، هو اعتبارها، كما ورد في بيان وزارة المالية، أنها "محفزة لنمو الاقتصاد، وتحدُّ من الهدر والصرف غير المسؤولَين"، وهذه حالة نادرة من الإنكار، رغم أن كل أرقام الميزانية على وجهي الإيرادات والمصروفات تبيِّن الانحراف المالي، وهنا - على ما يبدو- لن يكون هناك حل للمشكلة طالما لم يعترف أحد بوجودها.