الاكتشاف الجديد قد يطرد القديم. تصحّ هذه المقولة في أمور كثيرة شهدها تاريخ ومسيرة المجتمعات البشرية، إلا أن الفن السينمائي ما زال في البعد من ذلك. فمنذ بدايات السينما في نهاية تسعينيات القرن التاسع عشر، مع اختراع كاميرات التصوير السينمائي، وحتى يومنا الراهن، يشهد الفن السينمائي مزيداً من الحضور ومزيداً من الاهتمام ومزيداً من الروعة والقدرة على تطوير نفسه تقنياً بشكل مدهش!

يعتمد المشتغلون في الفن السينمائي، في معظم الأحيان، وتحديدًا كبريات شركات الإنتاج في هوليوود، على عنصرين في إنتاج الأفلام، وهما: الجنس والعنف. ويبدو لافتاً بقاء هذين العنصرين في تجدد وفي تشكّل وفي ازدياد يصعب الحد منه. فالعالم بات يعيش حروباً يومية متوحشة يعجز خيال أي مبدع، كاتباً كان أو قاصاً أو روائياً أو مسرحياً أو فناناً تشكيلياً على مجاراة أحداثها وكتابة ما يماثلها. لكنها السينما الأميركية العالمية مصرّة على أن تبقى تقدم عنفاً مخيفاً، عنفاً يفوق أي خيال ويتعدى أي وصف.

Ad

صحيح أن في كل إنسان شيئاً من عنف ظهر أو خفى، وصحيح أن دغدغة هذا العنف قد تعود ببعض البشر إلى لحظات توحّشه الأول، يوم كان يسكن الغابات. وصحيح أن شيئاً من العنف قد يحرك متعة غريزية خفية لدى البعض. لكن أن يكون العنف هو العنصر الأساسي في جذب الجمهور إلى شباك التذاكر، فإن الأمر بحاجة للوقوف عنده وتحليله. وهذا التحليل يتجه إلى كل من المنتج والمستهلك. وإذا كان معروفاً سبب إنتاج المنتج، شركات هوليوود، لهذه النوعية من الأفلام، لأنها تحقق الربح، فإن ميل المستهلك، إنسان التحضر، إلى التمتع بالعنف، يثير الكثير من علامات الاستفهام.

إنسان القرن الواحد والعشرين، الذي ينحدر من بشر عاشوا حضارات كثيرة جاء بها الأنبياء برسالات سماوية، وتبعها ملايين البشر، وهو الإنسان نفسه الذي خاض من الحروب الكثير، وذاقت روحه، بما اختزنت جيناته البشرية المواجع والألم بسبب كوارث الحروب. وفي الذاكرة القريبة حربان عالميتان، هما الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، خاصة أن الثانية قدمت خمسين مليون قتيل قرباناً لتنور الحرب المشتعل، وأن ضحايا الحروب والمشوهين بسببها ما زالوا يعيشون بيننا. ونحن في منطقة الشرق الأوسط نعيش حرباً مستمرة منذ مطلع منذ القرن التاسع، مع حروب التحرير العربية، ولم نزل نغطس بالحرب والدم حتى آذاننا. إذن لماذا يعشق الإنسان الحرب والعنف والدم؟

كتبت مراراً والسؤال يحيرني: لماذا يعشق الإنسان العنف والدم؟ ولماذا يدفع مالاً ليستمتع برؤيتهما؟ وبحثت في الكثير من الدراسات الاجتماعية والنفسية والسياسية والعسكرية، علّني أجد جواباً مقنعاً، فلم أعثر على جواب شافٍ يفسر مزيداً من عشق الإنسان للعنف والتوحش، سوى أن معايشة العنف اليومي المخيف في مختلف

بلدان العالم، قد تخلق وتغذي لدى البعض شيئاً من الوصل بالعنف، وهذا الوصل يأخذ صاحبه لمعايشة حالة العنف عبر المشهد السينمائي. وربما هذا ما يدفع بالمنتجين في هوليوود إلى البحث عن أفكار جديدة تخص العنف، وتخص الرعب، وتخص ارتياد آفاق جديدة في خيالات العنف السينمائي. أعلم تماماً أن مقالي ومقالات كثيرة حول العالم تدين عنف هوليوود لن تؤثر في عمل هوليوود، لكن ما يمكن عمله هو الوقوف الجاد في وجه إيصال العنف للأطفال، بما يوجب على الأسر الانتباه الكبير لألعاب الأطفال، فعدد كبير من الأسر، وتحديداً بعض الأمهات الشابات، صرنَ يجدنَ في أجهزة "الآي باد"، وحتى التلفون النقال، وسيلة لإلهاء الطفل وكف بكائه والتخلص من ازعاجه، دون الانتباه إلى الأثر المدمر الذي تبثه ألعاب وأفلام العنف في نفسية هذا الطفل. إن كان صوتنا لا يصل لكبرى شركات إنتاج هوليوود، فلا أقل من أن نخاطب أصحاب الأسر العربية بإبعاد الأطفال عن ألعاب العنف. ففي وطننا العربي ما يكفي من العنف والدم والندم.