في وقت تروج الميليشيات العراقية المقربة من طهران أن «طرد» القوات الأميركية من البلاد بات وشيكاً، يسندها في ذلك نواب من أطراف متعددة، تنشغل صحافة بغداد برصد تحركات عسكرية واسعة عند أقصى نقاط الحدود مع سورية، يرجح أنها تمهّد لعمليات مشتركة ضد بقايا تنظيم داعش، بحيث تنفذها الميليشيات بغطاء جوي وإسناد استخباراتي أميركي.

وذكر وزير الخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري، قبل يومين، أن أزمة كبيرة ستندلع إثر عزم حلفاء طهران في البرلمان العراقي على تشريع قانون يجبر قوات أميركا على الجلاء، في وقت يواصل قياديو الحشد الشعبي الحديث عن الأمر كل يوم، إلا أن اللجان النيابية المختصة تتحدث للصحافيين بنحو علني عن ضرورة الالتزام بالواقعية السياسية، والاعتراف بالحاجة إلى الدعم والاستشارة التي يقدمها التحالف الدولي بقواته المشتركة الأميركية والفرنسية وأفواج تكتيكية وفنية أخرى من فرنسا وبريطانيا وغيرهما، وخاصة أن رأس الحربة في المعارك العراقية هو قوات النخبة في جهاز مكافحة الإرهاب المرتبط في تدريبه وتسليحه بقوات التحالف الدولي، وعبر هذا جرى حسم أشرس المواجهات خلال الحرب مع «داعش» التي استمرت نحو أربعة أعوام.

Ad

وتقول مصادر مقربة من الحكومة، لـ «الجريدة»، إن الحديث عن تشريع نيابي لإجلاء القوات الأجنبية لم يتعدَّ المشاورات السياسية حتى الآن، وأن هناك جناحاً وسطياً في البرلمان يقترح تحويل موضوع الانسحاب إلى تشريع ينظم وجود القوات الأجنبية بالبلاد، في إطار التعاون الاستخباري والإسناد العسكري والفني.

وتشير المصادر إلى أن إيران ناقشت الأمر مع الحكومة العراقية، وأبدت تفهماً لحاجة بغداد إلى الإسناد الغربي الذي لا يمكن لإيران وحليفها الروسي توفيره، مضيفة أن قلق طهران ينحصر في إمكانية استخدام الولايات المتحدة قواعدها الكبيرة في العراق لضرب الأهداف الايرانية إذا قررت إدارة دونالد ترامب توجيه هجوم، ولو خاطفاً على الجمهورية الإسلامية.

ويلتقي هذا، بحسب المصادر، مع سياسة الجناح العراقي المعتدل، الذي يمثله رئيسا الحكومة عادل عبدالمهدي، والجمهورية برهم صالح، إذ يلخصان موقف بغداد بضرورة جعلها خارج الصراع الدولي والإقليمي، بعد عقود طويلة من الحرب والنزاعات أدرك خلالها الجميع أن نقص الاستقرار يضر بالمحيط الإقليمي بأسره.

وتتداول الصحافة المحلية منذ أيام أخباراً وإشارات معاكسة إلى فكرة سحب القوات أو إجلائها، التي باتت نوعاً من «البروباغندا» الإيرانية، إذ تنقل الصحف البغدادية عن زعماء محليين في الصحراء الغربية للعراق أن الحدود مع سورية تشهد منذ أيام تحركات غير اعتيادية، وتقترب خلال ذلك فصائل الحشد من المدرعات الأميركية التي تجوب تخوم الصحراء العراقية ـــ السورية، في حين لا يتوقف الغطاء الجوي الأميركي والطائرات المسيرة عن رصد جانبي الحدود.

ويحتشد نحو ألفَي مقاتل من العشائر العراقية السنية الخبيرة في طرق الصحراء القديمة، مع فصائل شيعية شاركت في الحرب ضد «داعش»، للتعامل مع تحولات الجبهة السورية القريبة، ويستبعد الخبراء حصول احتكاك مع القوات الأميركية هناك؛ لأن قوات النخبة النظامية العراقية صارت خبيرة في التنسيق بين جميع الأطراف خلال حرب طويلة مع الإرهاب، وحسب التجربة، فإن نشوب المعارك مع التنظيم يخفف الحساسيات الميدانية بين أميركا وحلفاء إيران، لحاجة الجانبين إلى بعضهما، حتى لو بقيت الأوساط السياسية في بغداد تتعامل مع حدة التصادم السياسي الذي يبدو في ذروته كسباق أميركي ــــ إيراني على اللحظة العراقية الجديدة.