يقدّم ترامب هدية غير متعمدة إلى المجموعة المتنامية من المرشحين الرئاسيين الديمقراطيين: يعلّمهم كيف يمكنهم الفوز.

يكمن فشل ترامب كرئيس في أنه لم يبنِ حزباً حاكماً يستطيع أن يوحد البلد، ويمرر التشريعات، ويعالج مشاكل الولايات المتحدة، صحيح أنه نجح في تحفيز انتفاضة أطاحت بالمؤسسة الجمهورية التقليدية وأرهب أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس، ودفعهم إلى حالة من الصدمة والصمت المذعور، لكنه، باستثناء خطة الاقتطاع الضريبي لعام 2017 التي حصد فيها الأكثر ثراء الدفعات الأكبر، أخفق إخفاقاً ذريعاً في العمل بفاعلية على السياسات المحلية.

Ad

كما أن نوبة غضب الجدار الحدودي وتعطيل الحكومة يُظهران أن ترامب بدد الفرصة التي قدمتها له حملته الشعبوية، فلو وسّع ائتلافه مستخدماً "فن عقد الصفقات" الذي نادى به إلا أنه لا يفهمه على ما يبدو، لوضع أمام الحزب الديمقراطي تحدياً أكبر وأكثر ديمومة.

لكن سياسات ترامب غير المستقرة، التي تقوم على فكرة كل شيء أو لا شيء، حالت دون التسويات وعمليات المقايضة التي كانت ستحل على الأرجح المشاكل المعتملة (اعذروني على استخدامي هذه العبارة) وتجعل الولايات المتحدة عظيمة مجدداً، وبدلاً من ذلك حصلنا على حكومة مشلولة متعطلة، حتى إن أبرز داعمي ترامب باتوا يدركون على الأرجح أنها تضر بصحتنا الوطنية، ومع كل يوم إضافي يمضيه ترامب متجهماً في البيت الأبيض، يزداد فشله وضوحاً.

يكمن التحدي الذي يواجهه الديمقراطيون في تفادي خطأ ترامب بإشعاله انتفاضة تصدرت عناوين الأخبار، وعليهم بدلاً من ذلك صوغ ائتلاف حاكم واسع، ولن يكون هذا سهلاً، فالحكم ممل في حين تبدو الحركات المتمردة جذابة، حيث تحرك "قاعدةً" من الموالين الحقيقيين وتستغل الاستياء الشعبي الخام من الوضع القائم، لكن هذه الحركات تعوق تقدمها بذاتها لأنها تركز على الداخل لا الخارج، فهي عمليات احتجاج لا إصلاح.

يشمل الإغراء الكامن أمام الديمقراطيين في عصر ترامب تطوير صورة مطابقة لحزبه المتعطل المرتكز على الغضب، فقد يكون الديمقراطيون مأخوذين، تماماً على غرار الجمهوريين، بالشهب البراق الساطع الأخير الذي يعبر بسرعة سماء السياسة، فقد يخالون هم أيضاً الطاقة الاجتماعية-الإعلامية خطأ قوة سياسية حقيقية.

تعجز وسائل الإعلام الإخبارية دوماً عن مقاومة جاذبية الشخصيات الجديدة والتعليقات الملتهبة، لذلك نجح ترامب في التلاعب بوسائل الإعلام، فهذا الرئيس يدير سيركاً من التحريضات المناهضة للنخب، ويعمل على تعميق كل شرخ في الانقسامات العرقية، والجنسية، والثقافية، كذلك يطبق سياسات الهوية، مدعياً في الوقت عينه أنه يعارضها.

ولا شك أن مشاهدة الديمقراطيين اللامعين البراقين هذا الشهر، النائب ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز والنائب السابق بيتو أورورك، ممتعة جداً، ولكن هل يملكان المهارات اللازمة للمساهمة في بناء المظلة الواسعة التي يجب أن يعمل الحزب الحاكم داخلها؟ وهل يتمتعان بالانضباط الضروري ليتفاديا العناوين الخاطفة اللافتة للنظر ويؤسسا ائتلافاً فعلياً؟

أظهرت انتخابات منتصف الولاية مدى سأم معظم الناخبين من موضة ترامب في السياسات التقسيمية، التي تطغى فيها الطرائف الهادفة إلى تحفيز "القاعدة" (جزء صغير نسبياً من الناخبين تحركهم القناعات العقائدية، والعرقية، والثقافية) على عملية بناء الائتلافات التي تمرر التشريعات.

قد لا تكون نانسي بيلوسي القائدة المثالية لحزب يريد أن يستعيد أصوات الطبقة العاملة، إلا أن ميزة توليها رئاسة مجلس النواب في الوقت الراهن تكمن في أنها سياسية تقليدية منضبطة تجيد إبقاء التجمع الانتخابي الديمقراطي مركِّزاً وسائراً على الدرب الصحيح، أما الوافدون الجدد، أمثال النائبة رشيدة طليب، فمستعدون لتخريب أجندة بيلوسي حتى لو انعكس ذلك سلباً عليهم.

لا شك أن الديمقراطي الذي سيتفوق على الجميع سيكون مَن يبرهن بطريقة مقنعة أنه يستطيع دفع آليات الحكومة للعمل مجدداً لمصلحة الشعب، وتبدأ هذه العملية مع رسالة وشخصية بإمكان معظم الأميركيين تقبلهما، فيجب أن تسعى الشخصية الديمقراطية المثلى إلى التقرب من القاعدة الانتخابية الأوسع، ومن الضروري أن تجمع بين الشبان وذوي الخبرة، والرجال والنساء، والأنغلو والمتحدرين من أصول لاتينية، والبيض والسود.

لكن الصفة الأكثر أهمية في شخصية المرشح الرئاسي الديمقراطية ستكون قدرته على الانتصار على ترامب، ويتمثل الضعف الأكبر في اختيار مرشح يدفع بالحزب كثيراً إلى اليسار، فيواجه صعوبة في إقناع الناخبين المستقلين في الوسط بأن الديمقراطيين قادرون على إعادة البلد إلى مساره الصحيح، ويبدو المحافظون مقتنعين بقدر التقدميين بأنهم يواجهون سياسة استبعاد، وتقوم وسيلة الهرب من كل ذلك على بناء وسط واسع، ومتسامح، ومتنوع.

سيعمد المرشح الفائز تلقائياً إلى بناء اصطفاف سياسي جديد يبدأ بسد الشقوق التي تمزق هذا البلد، وتحتاج الولايات المتحدة إلى رئيس يستطيع أن يقنع معظم الأميركيين بالتعاون معاً مجدداً للدفع بالقارب قدماً، وإلا فلن يتحرك هذا القارب من مكانه في الماء، بل قد نشهد الأسوأ: سيواصل الاهتزاز بعنف إلى أن ينقلب في نهاية المطاف.

* «ديفيد إغناتيوس»