في مقالنا الاثنين الماضي الذي تناولنا فيه الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بتاريخ 19 ديسمبر 2018 القاضي بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة فيما تضمنت أسبابه بأن هذه المادة تسمح لمجلس الأمة بالتوغل في اختصاص القضاء وإهدار أحكامه، والحكم يشير في ذلك إلى قرار مجلس الأمة الصادر في 30 أكتوبر الماضي، والذي أهدر الحكم الصادر من محكمة التمييز في 8 يوليو الماضي بإدانة د.وليد الطبطبائي ود.جمعان الحربش في الجناية رقم 846 لسنة 2011، وإنزال عقوبة الجناية بهما، وهي عقوبة تبعية قررها قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962 بحرمانهما من حقوقهما السياسية، وحرمانهما من استمرار عضويتهما تبعا لذلك، فيكون الحكم قد أعدم قرار مجلس الأمة سالف الذكر، في الوقت الذي كانت المحكمة الدستورية قد حصنت في حكمها الصادر بجلستها المعقودة في 12 ديسمبر الماضي قرار محلس الأمة سالف الذكر في الطعن الانتخابي المقام أمامها، والتي قضت فيه بعدم قبوله لانقضاء ميعاد الطعون الانتخابية.

Ad

اختصاص المحكمة بصحة العضوية

والواقع أن اختصاص المحكمة الدستورية ليس قصراً على الطعون الانتخابية في نتائج الانتخابات البرلمانية، بل يمتد إلى الفصل في صحة العضوية فيما نصت عليه المادة الأولى من قانون إنشاء المحكمة الدستورية "رقم 14 لسنة 1973 من أنه تنشأ محكمة دستورية تختص دون غيرها بتفسير النصوص الدستورية وبالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح وفي الطعون الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس الأمة (أو) بصحة عضويتهم، ويكون حكم المحكمة الدستورية ملزما للكافة ولسائر المحاكم".

ومؤدى هذا النص أن اختصاص المحكمة الدستورية بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الأمة وإن كان من لزوم اختصاصها بالفصل في الطعون الانتخابية، لأن على المحكمة أن تتحقق من توافر شروط العضوية في المطعون على انتخابه، إذا دفع أمامها بذلك، قبل أن تتحقق من سلامة العملية الانتخابية وما شاب إجراءاتها من مخالفة للقانون، وهي ليست في حاجة إلى نص تشريعي يقرر لها هذا الاختصاص، فهو يعتبر مسألة أولية عند الفصل في الطعون الانتخابية.

ولهذا لم يرد اختصاص المحكمة بالفصل في صحة العضوية معطوفاً على الفصل في الطعون الانتخابية باستخدام (و)، بل جاءت صياغة المادة الأولى سالفة الذكر باختصاص المحكمة بالفصل "في الطعون الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس الأمة (أو) بصحة عضويتهم".

ليؤكد المشرع أن الطعن في صحة عضوية أعضاء مجلس الأمة قد يرد استقلالا عن الطعن في نتائج الانتخابات البرلمانية، عندما يفقد العضو شرطا من شروط العضوية أثناء ممارسة عضويته بعد أن ثبتت عضويته في الطعون الانتخابية، أو كان فاقداً لها قبل ذلك، ولم يعلم بذلك إلا بعد أن تحصنت عضويته، فينفتح أمام الناخبين الذين زُيفت آراؤهم في الانتخابات البرلمانية ميعاد طعن جديد على صحة العضوية.

تحصين قرار مجلس الأمة

لهذا فإن المحكمة الدستورية تختص بالفصل في صحة العضوية استقلالا عن الفصل في الطعون في نتائج الانتخابات البرلمانية طبقا لأحكام قانون إنشائها، ولم يكن لها الحق في التسلب من هذا الاختصاص تحت ذريعة انقضاء ميعاد الطعن في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2016 للأسباب الآتية:

1- أن الطعن سالف الذكر المقام أمام المحكمة الدستورية، لم يكن طعنا في قرار إعلان نتائج انتخابات 2016 ولم يكن طعنا في صحة انتخاب النائبين المذكورين في هذه الانتخابات اللذين أعلن فوزهما فيها وثبتت عضويتهما بانقضاء الميعاد المذكور دون طعن على صحتها، ليبدأ ميعاد الطعن من تاريخ إعلان نتائجها.

2- أن واقعة قانونية لاحقة على إجراءات انتخابات 2016 بعد عامين من إجرائها وهي فقدان المذكورين عضويتهما لصدور حكم جنائي نهائي بات بعقابهما بعقوبة جناية تلحقها عقوبة تبعية هي حرمان العضوين من حقوقهما السياسية إعمالا للمادة (2) من قانون انتخابات مجلس الأمة رقم 35 لسنة 1962، وتبعا لذلك حرمانهما من استمرار عضويتهما.

3- أن محل الطعن الانتخابي المذكور هو ما حدث عند التصويت على إسقاط عضوية النائبين المذكورين بسبب الحكم سالف الذكر، لعدم حصول القرار الصادر بإسقاط العضوية على الأغلبية الخاصة التي تطلبتها المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة لإسقاط العضوية.

وهو الطعن الانتخابي الذي أقامه كل من فتحي محمد طاهر القطان وأشواق محمد أحمد علي، على قرار مجلس الأمة بعدم إسقاط عضوية النائبين المذكورين وامتناع مجلس الأمة عن إعلان خلو مقعديهما.

4- أنه إعمالا لأحكام المادة (4) من القانون رقم (20) لسنة 1981 بإنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية يعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح. ولئن كانت المادة (4) سالفة الذكر قد وردت في تنظيم الطعن بالإلغاء على القرارات الإدارية الصادرة من السلطة التنفيذية فإن حكمها يعتبر حكما عاما تفرضه القواعد العامة في القانون على كل سلطات الدولة، عندما تمارس اختصاصا ما فرضه عليها القانون أو الدستور، بهدف حث هذه السلطات على ممارسة واجباتها ومسؤولياتها التي تفرضها عليها القوانين واللوائح، وهو قرار تفرضه على مجلس الأمة المادة (84) من الدستور كأثر حتمي لصدور حكم محكمة التمييز بإدانة العضوين المذكورين بتاريخ 8/ 7/ 2018 فيما نصت عليه هذه المادة من أنه "إذا خلا محل أحد أعضاء مجلس الأمة قبل نهاية مدته، لأي سبب من الأسباب انتخب بدله في خلال شهرين من تاريخ إعلان المجلس هذا الخلو".

والواقع أن هذا القرار هو فاتح لقرارين آخرين تجري على أثرهما العملية الانتخابية برمتها لشغل المعقد النيابي الذي خلا بوفاة العضو أو فقده شرطا من شروط العضوية، قرار رئيس المجلس الذي تفرضه عليه المادة (18) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة فيما أوجبته عليه من إبلاغ رئيس مجلس الوزراء فوراً بهذا الخلو لانتخاب عضو آخر، وتفرضه على وزير الداخلية المادة (18) من قانون انتخابات أعضاء مجلس الأمة.

عدم قبول الطعن الانتخابي إنكار للعدالة

فإذا امتنع وزير الداخلية عن الدعوة لإجراء انتخابات لشغل المنصب الذي خلا إعمالا للمادة (18) من قانون الانتخابات تبسط الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية اختصاصها على الطعن بإلغاء قرار الوزير.

إما إذا امتنع مجلس الأمة عن الإعلان عن خلو محل أحد الأعضاء لوفاته أو لفقدان عضويته إعمالا للمادة (84) من الدستور، أو امتنع رئيس المجلس عن إبلاغ رئيس مجلس الوزراء بهذا الخلو، فإن القرارين يتحصنان من أي رقابة قضائية إذا لم يكن باب الطعن الانتخابي مفتوحا أمام الناخبين للطعن عليهما، وهو ما أغلقه حكم المحكمة الدستورية بعدم قبول الطعن الانتخابي سالف الذكر، بما ينطوي على إنكار للعدالة (deni de justice).