فتح إفصاح السعودية عن احتياطيات المملكة المؤكدة، من النفط والغاز، باب النقاش بشأن جدوى سرية المعلومات التي تتحفظ عليها بعض الدول، ومنها الكويت، فيما يتعلق بمستقبل الاقتصاد وثروات المستقبل، لاسيما أن العالم يتجه بقوة نحو شفافية المعلومات وضمان تدفقها كأحد المعايير الجاذبة للاستثمار.

وحسب بيان رسمي سعودي صدر هذا الاسبوع، فإن القراءة الجديدة لاحتياطيات المملكة التي أعدتها شركة مستقلة جاءت بـ 268.5 مليار برميل من النفط، و325.1 تريليون قدم مكعبة معيارية من الغاز، كما في نهاية 2017، ومن المرجح ان يكون افصاح السعودية عن احتياطياتها إحدى خطوات عملية الاكتتاب الخاصة بشركتها الكبرى أرامكو - التي تأخرت عن موعدها - وفقا لمعايير وضوابط الاسواق الدولية.

Ad

وبالعودة إلى الكويت، فإن سرية المعلومات الاقتصادية التي يحظر على الكويتيين معرفتها متعددة، وغير منطقية، وتحرم المختصين -فضلاً عن الرأي العام- من معرفة وتحليل بيانات اقتصادية جوهرية وكفاءة ادارة الموارد الطبيعية والأصول المالية، نذكر منها سرية البيانات الخاصة باحتياطات الثروة الطبيعية من نفط وغاز في الكويت، إلى جانب المعلومات المتعلقة بقيمة وتفاصيل احتياطي الاجيال القادمة، إضافة إلى المحفظة الاستثمارية التابعة لمؤسسة البترول الكويتية، وأخيرا ما يتعلق بما يعرف بصورة غير دقيقة بـ "الحالة المالية للدولة".

احتياطيات النفط

آخر إعلان لعمر احتياطيات النفط في البلاد كان عام 1983، عندما رفعت الكويت توقعاتها من 67 مليار برميل إلى 101 مليار، ومنذ ذلك الوقت لم تفصح الكويت عن أي تعديل لهذا التوقع، وبكل الأـحوال لم يعد لهذا الرقم قيمة كبيرة، ليس فقط نتيجة لمرور نحو 36 عاما على نشره واستهلاك النفط خلاله، بل أيضا لنشر بيانات لاحقة لم تجد ردا حكوميا رسميا، كالتقرير الذي نشرته مجلة "بتروليوم إنتلغنس ويكلي" في عام 2006، التي قدرت الاحتياطيات النفطية بأقل من نصف التقديرات غير الرسمية المعلنة وقتها، أي بـ 48 مليار برميل، والمؤكد منها بلغ 24 مليار برميل لدولة لا حاجة إلى شرح أو بيان اهمية النفط وتقديراته بالنسبة إليها.

وبغض النظر عن دقة هذه الأرقام عن الاحتياطات النفطية، فإن ثمة حاجة إلى وجود افصاح رسمي حديث، لا إلى التقديرات الخارجية، فضلا عن كميات الغاز المكتشفة قبل نحو 14 عاماً، كما قيل وقتها، بـ "كميات تجارية"، دون اعلان اي تفاصيل او الاتجاه الى التشغيل... فالأمر يستدعي إطلاق استراتيجية حول مستقبل الصناعة النفطية في البلاد ومدى إمكانية تطويرها في الإنتاج والتكرير والصناعات البتروكيماوية ذات العلاقة، وكل ذلك يتطلب بالطبع أرقاما رسمية وموثوقة حول الاحتياطيات والإنتاج، لاسيما ان القطاع النفطي شهد في السنوات القليلة الماضية صراعات وتجاذبات قللت من مستوى التركيز على مشاريعه الاستثمارية والمهنية.

بالطبع، التساؤل عن إجمالي احتياطات الثروة الطبيعية لا يعني الجزم بانخفاضها، بل هو تعبير عن حاجة إلى تثبيت رقم رسمي لثروة دولة يفترض أنها تتميز بقدر أعلى من نظيراتها في المنطقة، من حيث الشفافية وتدفق المعلومات وإمكانية التحليل، وبالتالي قراءة المستقبل.

محفظة البترول

وبالحديث عن قطاع النفط، فإن السرية لا ترتبط فقط بما هو في باطن الارض والبحر، بل ايضا باستثمارات المؤسسة في الأصول والمشاريع، اذ يوجد لديها فريق يدير هذه الملكية دون إفصاح عن حجمها أو ادائها او خريطة استثماراتها الفنية والجغرافية، ولا حتى توزيع مخاطرها، والاهم من هذا كله سبب ادارة المؤسسة، وهي غير مختصة في ادارة الاصول لملكيات يفترض ان الهيئة العامة للاستثمار هي الجهة المختصة بإدارتها.

احتياطي الأجيال

تعتبر الكويت من الدول محدودة الشفافية، عندما يتعلق الأمر بالمعلومات الخاصة عن الصناديق السيادية، فحسب مؤشر لينابورغ ماديول الذي يقيس درجة شفافية الصناديق السيادية تحصل الهيئة العامة للاستثمار على 6 نقاط من أصل 10 في معايير قياس الصندوق، في حين أن المطلوب على الأقل 8 نقاط للحديث عن مستوى شفافية مقبول عالمياً، وحتى عندما يتعلق الامر بتقارير دولية تشير الى تراجع قيم الصندوق وترتيبه فإن الهيئة تكتفي بنفي المعلومة دون تصحيح، كما حدث العام الماضي مع تقرير منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية، الذي يرصد أصول 750 مؤسسة استثمارية ضخمة عالميا، إذ أشار إلى أن الهيئة خسرت مركزها بين العشرة الأوائل، لتتراجع إلى المرتبة الحادية عشرة مع انخفاض الأصول 11 في المئة أو 68 مليار دولار، فيما ارتكز الرد على نفي الأرقام ووصفها بالمغلوطة وأن الاحتياطيات في أفضل أحوالها منذ إنشاء الهيئة، وليس هناك أي انخفاض، لكن دون تقديم أي أرقام عن الأداء، لا من حيث القيمة، ولا حتى النسبة.

فضلا عن ان العالم كله عندما كان يتحدث، مثلا، عن أثر خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي "بريكست" والتي لدى الكويت اقدم مكتب استثمار فيها (مكتب لندن)، فإن البيان الرسمي وقتها جاء عاماً بلا تفاصيل، متجاهلا المخاطر التي أفرزتها نتائج الانسحاب على اسواق الأسهم والعقار والسندات والعملة، وهي نتائج بلا شك تؤثر سلبا على قيم الاصول والاستثمارات مهما كانت جودتها، في حين تقوم بعض الصناديق السيادية الأخرى الاحدث تأسيسا بنشر بياناتها المالية على مواقعها الالكترونية بشكل مستمر وشفاف.

الحالة المالية

رغم أن نشر ما يناقشه مجلس الامة في جلسة واحدة من كل عام عما يعرف بـ"الحالة المالية للدولة" قد يؤدي بوسائل الاعلام الى المساءلة الجنائية، فإن هذا المصطلح لا يعبر بدقة عن حقيقة ما يتم مناقشته في جلسة سرية تتسرب معلوماتها قبل انتهاء الجلسة، وبكل الأحوال فإن ما يناقشه مجلس الامة سنوياً، او بشكل ادق يطلع عليه، هو بيان حسابي للاصول والاحتياطيات، وليس مناقشة مستفيضة للمالية العامة وكفاءة سياساتها وجودة خططها ومستقبل ثرواتها الطبيعية والمالية ومدى قدرة الدولة على قراءة المخاطر الخاصة بالاقتصاد والتعامل معها، وشتان هنا ما بين البيانات المحاسبية والاقتصادية، فالاولى تعبر عن ارقام جامدة، اما الثانية فهي تقيم سياسات ومستوى كفاءة، وفيها احتمالات الاصلاح والتغيير.

فوائد الإفصاح

للإفصاح عن البيانات المالية والسيادية والنفطية وغيرها فوائد كثيرة، تتعدى حتى تحقيق مستوى الشفافية، لأنها تقدم للمجتمع فرصة لتقييم السياسات وامكانية اصلاحها وتطويرها وترشيد ادائها، فمثلا عندما تتراجع قيمة صندوق الاحتياطي العام غير المحكوم بالسرية، الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار بنحو نصف قيمته خلال 5 سنوات، فمن حق المجتمع ان يعرف اوضاع نظيره صندوق الاحتياطي العام وأداءه وكفاءته، خصوصا ان معظم التقارير الدولية تشير الى ان اجمالي اصوله اقل من صناديق تأسست بعده بنحو 30 عاما او اكثر، فضلا عن ان ضعف الشفافية في الصناديق السيادية يفتح الباب لحملات دولية تؤدي لفرض عقوبات وضرائب وقيود أكثر، في سبيل رفع مستوى الشفافية في الأموال المستثمرة لدى شركاتها، وبالنسبة إلى الكويت تحديداً فإن الشفافية تجنب تكرار ذكريات أليمة للصندوق السيادي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وما حدث من تجاوزات وسرقات وخسائر حينها، مع الأخذ بعين الاعتبار ان معرفة عمر النفط وسهولة وكفاءة انتاجه لا شك أن لهما اثرا مهما من حق المجتمع الاطلاع عليه وتقييمه.