كشفت مصادر مالية أن ارتفاع نسبة الديون في نظام تمويل المشروعات، كمشروع محطة كهرباء وماء شمال الزور، أمر طبيعي وبديهي في عقود البنية التحتية في كل دول العالم، ولا يشكل مخاطر؛ إذ تعتمد البنوك الممولة على التدفقات النقدية للمشروع نتيجة إبرام عقد شراء منتج الكهرباء والماء من وزارة الكهرباء، وليس على رأسمال المشروع.

وأوضحت المصادر أن وزارة المالية، في ردها على سؤال النائب عبدالوهاب البابطين بشأن تعطيل طرح نسبة 50 في المئة من رأسمال شركة كهرباء وماء شمال الزور (المرحلة الأولى) نتيجة عدم موافقة الحكومة على تخفيض رأسمال الشركة البالغ 110 مليون دينار بمبلغ 10 ملايين فائضة بعد استكمال المشروع بنجاح، بررت ذلك بأن الضرر الواقع على المال العام وعلى المواطنين جراء تخفيض رأس المال يتمثل في أن نسبة إجمالي ديون الشركة إلى رأسمالها مرتفعة جداً، مما يعرض الشركة مباشرة والمواطنين والجهات الحكومية المساهمة فيها إلى مخاطر.

Ad

وذكرت أن رد وزارة المالية لم يوضح ماهية تلك المخاطر، التي قد تنتج عن أمر بديهي، وهو وجود فائض في رأسمال شركة لا حاجة للشركة به، ولا يرغب الدائنون في تسلمه كسداد مبكر لجزء من مديونية الشركة.

وأكدت أن وزارة المالية وهيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص لا تدركان الفروقات بين تمويل المشاريع وتمويل الشركات، إذ أفاد الخبراء بأن أي مبلغ فائض في رأسمال أي شركة لا يمكن توزيعه كأرباح على المساهمين؛ إذ إنها لم تنتج عن أرباح بل فائض يجب تخفيض رأس المال بقيمته.

إلى ذلك، أفادت مصادر مطلعة بأن مبلغ 10 ملايين دينار متوافرة نقداً في الشركة لا تتم الاستفادة منها، ولا تشكل أي إضافة لتعزيز الوضع المالي للمشروع، وقد وافقت البنوك الممولة على توزيعها على المساهمين.

وأوضحت المصادر ذاتها أن اتفاق المساهمين بين الشريك الأجنبي الفائز بالمشروع والجهات الحكومية يتضمن نصاً بالالتزام «ببذل أفضل مساعيهم» لتخفيض رأس المال، لتصبح نسبة رأسمال الشركة إلى ديونها لا تزيد على 20 إلى 80 في المئة، وأن رأسمال الشركة حالياً 110 ملايين وديون الشركة 400 مليون، وللتوافق مع النسبة المذكورة يجب تخفيض رأسمال الشركة ليصبح 100 مليون دينار (بتخفيض 10 ملايين)، لكن من الواضح أن وزارة المالية وهيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص أخطأتا في ردهما بحساب النسبة المذكورة.

وقالت: من الواضح أن تفسير وزارة المالية أنه يمكنها التنصل من الالتزام «ببذل أفضل مساعيهم» لتخفيض رأس المال، نتيجة قرار يتضمن موقفاً صدر عن هيئة مشروعات الشراكة ذاتها والموقِّعة على الالتزام، أي يمكنها تعديل الالتزام وإنكاره بالإرادة المنفردة، وقد أفادت المصادر بأن هذا التفسير لا تؤيده الأحكام القضائية والتحكيمية بشأن تفسير العقود، ويتنافى مع مبادئ حسن النية وشرف التعامل المعروف عن الحكومة الكويتية ويضعها في حرج شديد نتيجة هذا الإنكار.

ولفتت إلى أن ردّ وزارة المالية تضمن ترديداً لرأي هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص بأنه سينتج عن تخفيض رأس المال بمبالغ الفائض ضرر على المال العام والمواطنين، يتمثل في أن إجمالي ديون الشركة إلى رأسمالها مرتفع جداً، مشيرة إلى أن خفض رأس المال سيحرم المواطنين من عدد من الأسهم في رأسمال الشركة، في حين سيستفيد المال العام من مبلغ 6 ملايين دينار، وسيتم بيع أسهم الشركة للمواطنين بالقيمة الاسمية البالغة 100 فلس طبقاً لأحكام القانون رقم 39 لسنة 2010 المعدل بالمرسوم بالقانون رقم 28 لسنة 2012، ومن ثم لا يمكن تصور وقوع ضرر على المواطنين أياً كان مبلغ هذا التخفيض، إذ سيقوم المواطنون بسداد القيمة الاسمية لأي سهم يتم شراؤه.

واعتبرت المصادر أنه لا يوجد إدراك أو معرفة بالفروقات بين نظام تمويل المشاريع ونظام تمويل الشركات، فضمانات المقرضين في نظام تمويل المشاريع لا تستند إلى رأس المال، بل إلى التدفقات النقدية للمشروع الذي قامت به الشركة، وهو أول محطة إنتاج للكهرباء والماء وباكورة مشاريع الشراكة الناجحة، التي تم تنفيذها قبل الوقت المحدد، وبتكلفة أقل بقيمة 10 ملايين دينار من التكلفة التقديرية للمشروع، وهو ما ثبت من عدم رغبة الدائنين في السداد المبكر لجزء من التمويل بقيمة الفائض في تكلفة المشروع، ومن ثم لا يمكن استخدام هذا الفائض في سداد جزء من الدين سداداً مبكراً، إلا أن وزارة المالية ترى مصلحة الدائنين أفضل من البنوك العالمية الدائنة نفسها.

وأكدت أن تخفيض رأس المال الفائض قادم لا محالة، إذ لا حاجة للمبلغ الفائض، ولا يجوز توزيعه كأرباح لأنه لم ينتج عن تحقيق ربح طبقاً للقواعد المحاسبية. ويبدو أن تأجيل التخفيض لما بعد طرح الأسهم على المواطنين هو فقط تصدير وإحالة للقرار إلى المواطنين وتوريثهم إياه نتيجة الأيادي المرتعشة، التي تتهرب من اتخاذ القرار الملائم طبقاً للاتفاقيات الملزمة بحجج واهية.

وبينت أنه وسط توقع اكتتاب عشرات آلاف المواطنين نتيجة طرح نسبة 50 في المئة المملوكة حالياً لهيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص سيصعب استيفاء نسبة الحضور والتصويت اللازمة للتخفيض.

وأشارت الى أن هيئة أسواق المال غيرت قواعد اللعبة ورأيها بشأن طرح الأسهم للمواطنين، إذ سبق للهيئة أن أصدرت تأكيداً لهيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص بأن «هيئة أسواق المال تمارس اختصاصاتها الإشرافية والرقابية في تنظيم الاكتتابات، من خلال التأكد من أن جميع البيانات والمعلومات المطلوبة -بموجب الكتاب الحادي عشر (التعامل في الأوراق المالية) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن إنشاء هيئة أسواق المال ولائحته التنفيذية وتعديلاتهما- متوافرة في النشرة. وبناء على ما تقدم، وتطبيقاً لسياسة الإفصاح الكامل يجب أن تتضمن نشرة نقل ملكية أسهم شركة شمال الزور الأولى من هيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلى المواطنين الكويتيين بنداً يشير إلى الوضع القائم والراهن بشأن التوافق على تخفيض رأس المال من عدمه، كي يتسنى للمواطنين الاطلاع على البيانات المهمة والضرورية عن الشركة واتخاذ ما يرونه مناسباً بشأن قراراهم الاستثماري، وهو ما لا يجوز حرمانهم منه.

لكن هيئة أسواق المال عدّلت موقفها بعد ذلك، وانتهت إلى أن العملية المطروحة لا تحتاج إلى موافقتها، إذ قررت أن «العملية المطروحة لا تعتبر عملية اكتتاب في إصدار جديد، كما لا تعتبر اكتتاباً في عملية طرح لأسهم -أي طرح أسهم من مالكها الحالي بهدف دعوة الغير إلى شرائها- بالتالي فإن حقيقة العملية هي دعوة المواطنين لسداد المبالغ المدفوعة من الدولة نيابة عنهم لدى الاكتتاب نيابة عنهم في الحصة المخصصة لهم من أسهم رأسمال الشركة».

وأكدت وزارة المالية، في ردها، أن إدارة الفتوى والتشريع عدلت عن رأيها بشأن آلية توزيع الأسهم على المواطنين، من وجوب أن تكون بالتساوي طبقاً لأحكام القانون رقم 39 لسنة 2010، واستقر رأيها على جواز توزيع الأسهم بنظام الشرائح، تماشياً مع المرسوم بالقانون رقم 28 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 39 لسنة 2010.

ولفتت المصادر إلى أن تخبّط الجهات الحكومية والرقابية وعدم التمكن من التوصل إلى توافق بشأن أمر بسيط وبديهي كتخفيض رأسمال شركة بمبلغ فائض عن حاجتها، ينمّ عن تقاعس حكومي يؤسّس لسابقة تضع مستقبل مشروعات الشراكة وتشجيع الاستثمار في الكويت في مهب الريح.

ورجحت أن تواجه الحكومة قضية «داو» جديدة تدور رحاها، في ظل تقاعس حكومي وتكتم من الشركة عما إذا كانت إجراءات التحكيم ستتم أمام محكمة التحكيم الدولية في باريس فقط أم أيضاً أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في واشنطن، نتيجة مخالفة الجهات الحكومية الكويتية لاتفاقية إنشاء المركز التي وقعت عليها دولة الكويت منذ عام 1978.

يذكر أن المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في واشنطن ينظر حالياً قضيتين من شركة مصرية وأخرى إيطالية ضد الكويت، وقضية واحدة من شركة كويتية ضد الحكومة المصرية.